من الآية 110 الى الآية 111
الآيتــان
{إِذْ قَالَ اللَّهُ يعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ * وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ ءَامِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُواْ ءَامَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ}(110ـ111).
* * *
معاني المفردات
{بِرُوحِ الْقُدُسِ}: جبرائيل من حيث ينزل بالقدس من الله، أي بما يطهّر به نفوسنا، وربَّما أريد به القوّة الغيبيّة الّتي زوّد الله بها عيسى لتعينه على المعجزة أو على رسالته المهمة.
{الأكْمَهَ}: الَّذي ولد أعمى، ويطلق على من عمي بعد الولادة.
{أَوْحَيْتُ}: الوحي: إلقاء المعنى إلى النفس على وجه خفي، وهو إمَّا أن يكون بإرسال الملك، أو بالإلهام.
{الْحَوَارِيِّينَ}: جمع حواريّ، وهو من أخلص المودة، من الخبز. الحُواري: الدقيق الأبيض، وهو لباب الدقيق لأنَّه أخلص لبّه من كل ما يشوبه، وأصله الخلوص، ومنه صار يحور إذا رجع إلى حال الخلوص ثُمَّ كثر حتَّى قيل لكل راجع.
* * *
تذكير الله للنبي عيسى(ع) بنعمه عليه
يذكّر الله تعالى في هذه الآيات، نبيّه عيسى بن مريم(ع) بجملة من نعمه الجليلة، {إِذْ قَالَ اللَّهُ يعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ} والّتي تتراوح بين صورة المعجزة من جهة، ولطف الرحمة من جهة أخرى، وتسديد الموقف بالتأييد والتوفيق والنصرة من جهة ثالثة، {إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي} وليس تذكير الله تعالى أنبياءه من قبيل التذكير الرافع للنسيان أو الغفلة، لأنَّ هذا مما يتعارض مع عصمتهم ومنزلتهم ودورهم الريادي في الحياة، وإنَّما هو من قبيل التقرير والتسجيل لبيان هذه الحقيقة لأممهم الّتي رفعتهم إلى مقام الألوهيّة أو ما يقرب من ذلك، كما حدث مع عيسى(ع)، حيث قال النَّاس بألوهيته، فأراد الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يبيّن لهم، بأسلوب غير مباشر، وذلك من خلال الحديث الَّذي أثاره مع عيسى(ع)، أنه لا يملك من أمره شيئاً، بل كل ما لديه من طاقات وأعمال ومعاجز، هي من نعم الله تعالى عليه، وأنَّه ليس أكثر من رسول له ـ تعالى ـ إلى النَّاس، فلا صفة له إلاَّ صفة الرسالة، ولا طاقة له إلاَّ الطاقة الّتي وهبها الله له. وقد تقدم الحديث عن بعض هذه الأمور في سورة آل عمران، من تكليمه النَّاس في المهد وفي حالة الكهولة، وقيامه بإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص بإذن الله. وجاءت الآيات هنا، لتُثير تأييده بروح القدس، في ما يُمثِّله ذلك من قوّةٍ ٍروحيّةٍ خفيّةٍ، كانت بمثابة الأساس لكل ما حدث له، وصدر عنه، لأنَّ الطاقة البشريّة في طبيعتها، لا تملك القيام بذلك كله بعيداً عمّاً يمنحه الله لها من تأييدٍ روحيٍّ معجز، وقد يكون تصوّر المعنى المقصود من روح القدس غامضاً بعض الشيء، لأنَّ ذلك ليس من الأمور الماديّة الّتي تدخل في نطاق التصوّر البشري، ولكنّنا نعرف ـ من خلال معطيات القرآن الكريم ـ أنه يمثل لوناً من ألوان اللطف الإلهي الَّذي تتمثَّل فيه القدرة المطلقة، الّتي بها تتميّز الأشياء بخصائصها، وتُبدع الأمور بطاقاتها. فمن ذا الَّذي يستطيع أن يكلم النَّاس في المهد من خلال التكوين البشري الذاتي في ما يملكه البشر من خصائص القدرة على التكلم الواعي الناضج على أساس النمو الِّذي يحتاج إلى مراحل متقدمة من العمر والتربية والتعليم؟ ليس هناك إلاَّ القدرة الإلهيّة الّتي تمنح الأشخاص بعضاً من لطفها الَّذي به يقول للشيء: {كن فيكون} فلا مجال لوجود أجزاء إلهيّة في ما يتصوره النَّاس من أضاليلهم، بل كل ما هناك، هو مظهر القدرة بالطريقة المألوفة أو غير المألوفة.
وانتهت الآية إلى إبراز الدعم والتأييد الإلهي القوي لعيسى(ع) في مواجهة «بني إسرائيل» {وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِى إِسْرَائيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} حيث كفّ شرّهم عنه، لا سيما الكفَّار منهم، {فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} رموه بالسحر على عادتهم مع الأنبياء الآخرين، فهم لا يناقشون الأفكار الّتي يثيرونها في حياتهم، ولا يتدبرون المعاجز الّتي يقدمونها إليهم، بل يرفضون ذلك كلّه بما اعتادوه من كلمات غير مسؤولة، ولكنَّ الله قهرهم بقوّة القدرة الّتي أيّد بها رسوله، فلم يتركه وحده تحت رحمة الكافرين، بل «أوحى» إلى الحواريين أن يؤمنوا به وبرسوله {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ ءَامِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي}، ومن المعلوم أنَّ هذا الوحي لم ينزل عليهم كما ينزل على الأنبياء، بل هو من قبيل الإيحاء بالوسائل الطبيعيّة الّتي يمهد بها الله للإنسان سبيل الإيمان من العقل والكتاب والإرادة، أو من قبيل الإلهام، ولعله هو الأقرب هنا لمناسبته أكثر مع معنى الوحي الَّذي هو ـ لغةً ـ نوعٌ من الإلقاء الخفي، فكان أن استجاب الحواريون لنداء الله، {قَالُواْ ءَامَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} فأعلنوا إيمانهم وطلبوا من الله أن يشهد عليهم بالإسلام في ما يريدهم أن يعتقدوه، وفي ما يكلفهم أن يفعلوه.
* * *
أسئلة من وحي هذه الآيات والإجابة عليها
وهناك عدة نقاط أمام هذه الآيات:
النقطة الأولى: كيف تكون هذه الآيات المتعلِّقة بعيسى(ع) نعمة على والدته الّتي لم تشارك في ذلك؟
والجواب، أنَّ من الممكن أن تكون النعمة على والدته من حيث إكرامها بالكرامة الإلهيّة في إظهار قدرة الله في خلق عيسى(ع) من خلالها، واصطفاء الله لها وتطهيرها ورعايته لها في كل حياتها، مع كون الآيات المذكورة في الآية مختصة بعيسى(ع). ومن الممكن أن تكون المسألة من حيث إنَّ النعمة الّتي تصل إلى الولد هي نعمة على الأم أيضاً، لأنَّه فرع منها، فما يصل إليه من الكرامة يصل إليها، لأنَّ الله يكرم الأم بإكرام ولدها. والله العالم.
النقطة الثانية: لماذا هذا التكرار في كلمة {بِإِذْنِي} أربع مرات مع إمكان الاكتفاء بكلمة واحدةٍ للدلالة على أنَّ ما صدر عن عيسى(ع) ليس ناشئاً من قدرته الذاتية بل هو ناتج عن قدرة الله سبحانه؟
والجواب، أنَّ ذلك قد يكون وارداً للتأكيد على رفض النسبة الذاتيّة الخاصة في صدور هذه المعاجز المدهشة والقدرات العجيبة إلى عيسى(ع)، باعتبارهما أقرب إلى الأفعال الإلهيّة، وبالتالي لبيان أنَّ ذلك منطلقٌ من إذن الله له في القيام بذلك بالمعنى التكويني للإذن، أي أنَّ قدرته كانت مستمدةً من إعطاء الله له تلك الطاقة الّتي تنتج الأعاجيب، وذلك لإبعاد فكرة الغلوّ فيه وادعاء الألوهيّة له، كما حدث بعد ذلك، ولبيان أنَّه عبد من عباد الله في الطاقات الّتي وهبها الله له مما هو خارج عن المألوف للبشر، كما هو عبد من عباد الله في الطاقات البشرية الّتي أعطاها له، لأنَّ الإعجاز الإلهي الذاتي ظاهر في القدرات العاديّة وغير العاديّة على حدٍّ سواءٍ في عظمة القدرة الإلهيّة، لأنَّ الأشياء بطبيعتها لا تملك أيّة طاقة ذاتية بعيداً عمّا أودعه الله فيها من القدرة الخاصة، على أساس السببيّة الّتي تختلف بين المألوف وغير المألوف، والظاهر والخفي. والله العالم.
النقطة الثالثة: ربَّما يرى بعض العلماء والمفسرين أنَّ هذه الآية والآيات المماثلة تدلّ على ولاية أولياء الله التكوينيّة، بحيث يتصرفون في عالم التكوين من حيث القدرات العجيبة الّتي يزودهم بها، فيتحركون في إدارة الأمور في حركة الواقع الوجودي للأشياء، كما يتحركون في إدارة الواقع الرسالي للنَّاس.
ولكنَّنا، مع التأكيد على الظاهر القرآني، وهو أنَّ الله يزود أنبياءه وأولياءه ببعض القدرات الخاصة الّتي تتحرك أفعالاً خارقة للمألوف في مستوى العجائب، لا نرى أنَّ التعبير عنه بالولاية التكوينيّة صحيح، لأنّ قضية الولاية ـ بمعناها المعروف ـ توحي بالموقع الذي يملكه الوليّ التكويني الَّذي أريد له أن يتحرك في إرادة متعلّق الولاية بإرادته وفاعليته في كل المساحة الولايتية الكونيّة.
وهذا المعنى ليس مُستفاداً من إعطاء الله لعيسى هذه القدرة الخاصة، لأنَّه لا يدل إلاَّ على العطيّة الخاصة في المورد الخاص من خلال حاجته إلى إظهار المعجزة للنَّاس كما هي حاجة موسى(ع) إليها في اليد البيضاء وتحوّل العصا إلى ثعبان، فهي مسألة تتصل بالظروف الخاصة في الموارد الخاصة، ولا تتصل بتحول الذات إلى ذات، تَمْلُكُ ـ بالإذن الإلهي ـ قدرةً عامةً تتحرك في الكون لتديره بإذن الله، بالطريقة الّتي يدير الله فيها الكون، لا سيما وأنَّ ولاية الله تامّة السببيّة في حركة التدبير الكونيّة، فلا نقصان في ولايته في الكون ليجعل ولياً له. أمَّا إذا أريد من ذلك أنَّ الله يوظفهم للقيام بذلك كما يوظف الملائكة، بمعنى أن يكونوا وسائل للتدبير الإلهي، فهذا مما لا دليل عليه، بل الدليل من القرآن على خلاف ذلك.
إنَّ القرآن لا يثبت للأنبياء وللأولياء، كآصف بن برخيا، إلاَّ بعض القدرات الخاصة الّتي تنتج أعمالاً خاصة للحاجة إليها في عالم التحدي والكرامة، ولم يثبت لهم أكثر من ذلك، بل إنَّه يتحدث عن نقاط الضعف البشري الَّذي يتحركون به في قدراتهم المحدودة مما لا يتناسب مع فكرة أنَّهم أولياء الكون من الناحية التكوينيّة. والله العالم.
النقطة الرابعة: ما معنى إيحاء الله للحواريين، هل هو على طريقة الإيحاء للأنبياء ـ بواسطة جبرائيل ـ أو أنَّ للوحي هنا معنى آخر؟ الظاهر ـ والله العالم ـ أنَّ الإيحاء بمعنى الإلهام الخفي الَّذي ينطلق من حركة الفطرة في النفس الّتي تنطلق في حساباتهم الإيمانيّة من الدلائل والمعطيات المتوفرة لها في دلالة الجانب الحسي على الجانب المعنوي مع بعض الألطاف الإلهيّة الروحيّة الّتي يقوي الله بها العناصر الداخليّة للإيمان للإنسان، وربَّما كان الإيحاء من خلال رسالة السيِّد المسيح(ع) ودلائله.
وقد جاء في تفسير العياشي عن يوسف الصنعاني عن أبيه قال: «سألت أبا جعفر ـ محمَّد الباقر(ع) ـ: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ} ؟ قال: أُلهموا»[1].
النقطة الخامسة: جاء في معاني الأخبار بإسناده عن أبي يعقوب البغدادي قال: «قال ابن السكيت لأبي الحسن الرضا(ع): لماذا بعث الله موسى بن عمران بيده البيضاء والعصا وآلة السحر، وبعث عيسى بآلة الطب، وبعث محمداً(ص) بالكلام والخطب؟
فقال أبو الحسن(ع): إنَّ الله تعالى لما بعث موسى(ع) كان الأغلب على أهل عصره السحر، فأتاهم من عند الله تعالى بما لم يكن عند القوم وفي وسعهم مثله، وبما أبطل به سحرهم، وأثبت به الحجّة عليهم، وإنَّ الله تعالى بعث عيسى في وقت ظهرت فيه الزمانات، واحتاج النَّاس إلى الطب، فأتاهم من عند الله تعالى بما لم يكن عندهم مثله، وبما أحيى لهم الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله، وأثبت به الحجّة عليهم.وإنَّ الله تعالى بعث محمداً(ص) في وقت كان الأغلب على أهل عصره الخطب والكلام والشعر، فأتاهم من كتاب الله والموعظة والحكمة بما أبطل به قولهم، وأثبت به الحجَّة عليهم.
قال ابن السكيت: ما رأيت مثلك اليوم قط، فما الحجَّة على الخلق اليوم؟ فقال: العقل يعرف به الصادق على الله فيصدقه، والكاذب على الله فيكذبه، قال ابن السكيت: هذا والله هو الجواب»[2].
ولعلَّ قيمة هذا الحديث تكمن في الدلالة على أنَّ قصة المعجزة، في نوعيتها، تنطلق من الواقع الثقافي الَّذي تتميّز به الذهنيّة العامة للمجتمع الَّذي يرسلُ إليه النَّبيّ، من أجل أن تمثِّل النبوّة قوّةً ثقافيّةً غير عاديّة، تصدم الواقع الثقافي الَّذي ربَّما يبلغ حالةً من الاستعلاء، الَّذي قد يترك تأثيره السلبي على واقع النبوّة في حركة الرسالة في النَّاس، لأنَّ الوضع الطبيعي للثقافة العامة قد يجعل النَّبيّ شخصاً عادياً في النظرة الشعبية بحيث لا يتميّز عن الآخرين، بل قد يتميّزون عليه من ناحية اختصاصهم الَّذي يترك أثره على النَّاس.
وفي ضوء ذلك، فإنَّ المعجزة تُمثِّل قمّة التحدي لهذا الواقع بالدرجة الّتي تشكّل صدمةً له من خلال المستوى الإعجازي الَّذي لا يُمكن صدوره من قدرات بشريّة، فيدل على علاقته الرساليّة بالله، ولكن ربَّما لا تحتاج النبوّة إلى المعجزة، لعدم وجود التحدي الصارخ في المسألة الثقافيّة المضادّة، بل تكون القضيّة قضيّة رفضٍ شعبيٍّ ذاتيٍّ لا يترك تأثيره الواقعي على حركة الرسالة من موقع النَّبيّ، بحيث تكون المعجزة وعدمها على حد سواء، وهذا ما نلاحظه في كثيرٍ من حالات الأنبياء الَّذين لم يأتوا بالمعجزة، أو الَّذين جاؤوا بها أخيراً كما في قصة نوح وإبراهيم(ع).
وربَّما كانت القيمة الأخرى للمضمون الفكري في الحديث ـ وهو كلام الإمام الرضا(ع) ـ على تقدير صحة الرِّواية ـ عن العقل ـ في غياب النَّبيّ صاحب المعجزة أو في حالة عدم وعي النَّاس لتأثيراتها على وجدانهم الثقافي الَّذي لا يملك دراسة الأمور بدقةٍ وتحقيق، أنَّ العقل هو الحجَّة الإلهيّة الّتي أرادها الله أن تقود الإنسان إلى التمييز بين الصادق على الله بما يُمثِّله من الحجّة البشريّة فيصدقه على أساس ذلك، أو الكاذب عليه الَّذي لا يُمثِّل الحجّة فيكذبه.
وهذا هو المنهج الإسلامي ـ في خط أهل البيت(ع) ـ المرتكز على أساس الخط القرآني الَّذي يوحي بأنَّ العقل هو حجَّة الله الفطرية على خلقه الَّذي يتحرك ليحدد الحجّة البشريّة من الله والاتجاه العملي الَّذي يُميّز الحقّ من الباطل والخير من الشر، ليحيا من حيى عن بينة ويهلك من هلك عن بينة.
ـــــــــــ
(1) تفسير الميزان، ج:6، ص:221.
(2) م.ن.، ج:6، ص:221.
تفسير القرآن