من الآية 43 الى الأية 59
الآيــات
{إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ* طَعَامُ الأَثِيمِ* كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ* كَغَلْيِ الْحَمِيمِ* خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَآءِ الْجَحِيمِ* ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ* ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ* إِنَّ هَذَا مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ* إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ* فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ* كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ* يَدْعُونَ فِيهَا بِكلِ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ* لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ* فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ* فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ} (43ـ59).
* * *
معاني المفردات
{كَالْمُهْلِ}: المهل: المذاب من النحاس والرصاص.
{الْحَمِيمِ}: الماء الشديد الحرارة.
{فَاعْتِلُوهُ}: العتل: الزعزعة والدفع بالعنف.
{سَوَآءِ الْجَحِيمِ}: وسطه.
{سُندُسٍ}: الرقيق من الحرير.
{وَإِسْتَبْرَقٍ}: الغليظ من الحرير.
{مُّتَقَابِلِينَ}: أي يقابل بعضهم بعضاً.
{بِحُورٍ}: جمع حوراء، وهي شديدة سواد العين وبياضها أو ذات المقلة السوداء كالظباء.
{عِينٍ}: جمع عيناء، وهي عظيمة العينين.
{يَسَّرْنَاهُ}: سهلناه.
* * *
عذاب الممترين
{إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ} تقدم ذكرها في سورة الصافات {طَعَامُ الأثِيمِ} الذي كان يعيش المعصية كجزء من ذاته فيتحرك بها في كل مواقع حياته العملية {كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ* كَغَلْيِ الْحَمِيمِ* خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَآءِ الْجَحِيمِ} وهذا هو النداء الموجّه إلى ملائكة النار الذين يسوقون المجرمين إلى العذاب.
{ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ} أي الحميم الذي يعذّب به.. {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} وهذا هو الخطاب الذي يخاطب به الكافر المجرم في معرض الاستهزاء بالعزة التي كان يعيشها في نظرته إلى نفسه، أو نظرة الناس إليه، أو بالكرامة التي كان يمثلها مركزه الاجتماعي في مواقع الوجاهة والسلطة.. فأين هي عزتك وكرامتك، وأنت الآن في محل الذلة والمهانة؟ ما قد يجعلك تفكر بأن العزة والكرامة لا يأتيان إلا من خلال طاعة الله المرتكزة على قاعدة الإيمان به.
{إِنَّ هَذَا مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} في حديثكم في الدنيا عن يوم القيامة وعن عذاب النار الذي ينذركم به الأنبياء والمرسلون، فتثيرون الشك فيه، وترسمون حوله أكثر من علامة استفهام، وها أنتم ترون الحقيقة ماثلةً أمامكم في ما تحسون به من الألم والعذاب، لتذوقوا طعمها المر.
* * *
إن المتقين في مقام أمين
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} يعيشون فيه في رحاب الأمن لا يصيبهم مكروهٌ، ولا ينزل بهم خوف {فِي جَنّاتٍ وَعُيُونٍ} يستمتعون بأثمارها وفواكهها ومائها الصافي العذب {يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ} في جلسة استرخاءٍ واستئناسٍ بالنعيم الهنيء، وبالاجتماع الروحي الأخويّ الذي يقابل فيه المؤمنون بعضهم بعضاً بالبشر والارتياح {كَذَلِكَ} الجوّ المملوء بالراحة والسعادة {وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ} جعلناهم قرناء لهؤلاء النساء وهن مختلفات عن نساء الدنيا في ما يخلقه الله من النساء، كما يظهر من الآيات القرآنية.
{يَدْعُونَ فِيهَا بِكلِّ فَاكِهَةٍ} من فواكه الجنة، {آمِنِينَ} لا يصيبهم ضررٌ منها أو من غيرها.
{لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ} فهم في الجنة يحيون حياةً لا موت فيها، {إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأولَى} التي ذاقوا طعمها، فهي وحدها التي عاشوا فيها معنى الموت، ولعل توصيف الموتة بالأولى، بلحاظ معنى السبق على هذه الحياة التي يحيونها لا في مقابل موتةٍ ثانيةٍ، والله العالم.
{وَوَقاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} فهم في حفظ الله ورعايته وأمانه من كل ألوان العذاب في الجحيم، لمحبته لهم ورضاه عنهم، بسبب إيمانهم به وطاعتهم له {فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ} الذي يمنحه لعباده المتقين {ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} الذي لا فوز أعظم منه، لأنه يمثل السعادة الخالدة التي لا حدّ لها ولا انتهاء، وذلك هو الخط الذي يحدده النهج القرآني ليقود الإنسان إلى السعادة، وذلك ما أراد الله في إنزاله للقرآن عليك أن تبلّغه للناس كافة.
{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ} في أسلوبه الواضح، الذي لا يصعب على الواعين فهم مقاصده {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} فيخرجون من غفلتهم المطبقة التي أغلقت عليهم نوافذ المعرفة، وينفتحون على الإيمان بالدار الآخرة حيث يواجه الناس نتائج المسؤولية أمام الله {فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ} في ما ينتظره الجميع من حقيقة عذاب الله للكافرين.
تفسير القرآن