من الآية 20 الى الآية 21
الآيتـان
{هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ* أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُواْ السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ} (20ـ21).
* * *
معاني المفردات
{بَصَائِرُ}: جمع بصيرة، وهي الإدراك المصيب للواقع، والمراد بها ما يبصر به.
{اجْتَرَحُواْ}: اكتسبوا.
{السَّيِّئَاتِ}: جمع سيئة، وهي الفعلة القبيحة التي يسوء صاحبها باستحقاق الذم عليها.
* * *
القرآن بصائر للناس
{هَذَا} القرآن الذي يشتمل على العقيدة والشريعة {بَصَائِرُ لِلنَّاسِ} يفتح عقولهم وقلوبهم على المعرفة التي يبصرون بها حقائق الحياة، ويدلُّهم على الصراط المستقيم، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، فيعيشون في النور المعنويّ المنطلق من أفق الوحي الحق، والمعرفة اليقينية، عندما يتخذونه وسيلةً للإبصار، {وَهُدًى} يهتدون به إلى سواء السبيل {وَرَحْمَةً} في ما يختزنه من إيحاءات الرحمة الإلهية المتدفقة من ينابيع الخير في حياتهم، {لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} يتحركون في طريق تحصيل اليقين، فلا يتوقفون أمام الشك ليتجمدوا عنده، بل يلاحقون كل مواقع المعرفة التي يمكن أن تزيل الحجاب عن الحقيقة. وإذا كانت هذه البصائر تربط مصير الإنسان بعبوديته لله، فلا بدّ من أن تكون العبودية مقياساً لتقويم أعماله وحركته، باعتبار أن رضوان الله عن حركة عباده ومصيرهم متعلق بها، وهذا ما تعبر عنه الآية التالية التي تثير ما يقع فيه الكافرون والفاسقون الذين يعملون السيّئات من خطأ عندما يتصورون أنّ ابتعادهم عن طاعة الله، لا يترك أيّ تأثير على مستقبلهم في الدنيا والآخرة، فيمكن أن يكونوا، هم والمؤمنون المتقون سواء.
* * *
ساء ما يحكم الكافرون
{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُواْ السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سواءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ} انطلاقاً من الفكرة الخاطئة التي لا ترى في الإيمان والكفر، والطاعة والمعصية، أيّ معنًى يثير الاهتمام والتقويم العملي، ليكون الموقف من ذلك كله موقف اللاّمبالاة؟
{سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ} لأن مستوى الإنسان لا بد من أن يحدد على ضوء الواقع الداخلي والخارجي الذي يعيش فيه، فهو عندما يكون منفتحاً على الله خالق الكون كله، منسجماً مع الخير المنطلق من عمق المعنى الطيّب في الحياة، موالياً للحق الذي يمثل مضمون الوجود، في مقابل الواقع النفسي والعملي الذي يعيش فيه عندما يكون منغلقاً عن الله، منفتحاً على الشيطان، وخاضعاً للأوثان، ومتمرداً على التوحيد، ومنسجماً مع الشر الذي يثقل الروح، ويعطّل حيويّة الحياة، ومبتعداً عن الحق، مقترباً من الباطل، فكيف نساوي بين هذا الواقع وذاك في الحياة وما بعدها.. إنه الفرق بين الأعمى والبصير وبين الظلمات والنور، في المضمون الروحي والحركي على صعيد الحياة كلها.
تفسير القرآن