تفسير القرآن
الحجرات / الآية 11

 الآية 11
 

الآيــة

{يا أيها الذين آمنوا لا يسخَر قومٌ من قومٍ عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساءٌ من نساءٍ عسى أن يكنّ خيراً منهنّ ولا تلمِزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسُوق بعد الإيمان ومن لم يتُب فأولئك هم الظالمون}(11).

* * *

معاني المفردات

{تَلْمِزُواْ}: اللمز: التنبيه إلى المعايب.

{تَنَابَزُواْ}: النبز: القذف باللقب.

* * *

لا يسخر قوم من قوم

لكلّ إنسان في المجتمع المسلم احترامه، فليس لإنسان أن يسيء إلى حرمة إنسانٍ آخر فيه بقول كلمات تسيء إلى كرامته أو تؤذي مشاعره، سواء كان ذلك من خلال مضمونها، أو من خلال طريقة قولها، أو استخدام الإشارة بأسلوب يوحي بالإذلال والانتقاص. وعلى ضوء ذلك، حرّم الإسلام السخرية التي يمارسها بعض الناس ضد بعضهم الآخر لشعورهم بالتفوّق عليهم في بعض الصفات، أو في بعض الأفعال، أو في بعض المواقع العامة والخاصة، مما يتفاضل به الناس في درجاتهم وأوضاعهم، الأمر الذي يوحي إلى صاحب الصفة الجيّدة بالعلوّ على فاقدها، ويدفعه إلى احتقاره باعتباره الأقلّ درجة منه، ويؤدّي به إلى السخرية والهزء به، وهذا ما تعالجه هذه الآية.

{يَا أيّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} والتزموا الإيمان قاعدةً للسلوك في الحياة والعلاقات العامة {لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مّن قَوْمٍ} في مجتمع الرجال الذين يشعرون بالفضل على غيرهم، فيدفعهم ذلك إلى احتقار الآخرين والنظر إليهم من فوق، وذكر صفات توحي بتحقيرهم، سواء بقولٍ أو إشارةٍ أو فعل تقليد، بحيث يحمل الآخرين على الضحك مثلاً، {عَسَى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مّنْهُمْ} لأن الساخر إذا كان يفضل على الآخر بصفةٍ، فقد يكون أقلّ منه درجةً بلحاظ صفة أخرى يفقدها هو، مما يتصف به الشخص الذي يسخر منه مما يمكن أن يرفع شأنه في الدنيا والآخرة، ويكون مقرّباً من الله على أساسها، فيكون قد سخر ممن هو خيرٌ منه. لذا فلا بدّ للنظرة من أن تكون شاملةً لجميع الجوانب العامة والخاصة للناس، حتى يستطيع الإنسان دراسة القيمة التي يخضع لها تفضيل شخصٍ على آخر، أو جماعةٍ على أخرى.

{وَلاَ نِسَآء مّن نّسَآء} في المجتمع النسائي {عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مّنْهُنَّ} فإذا سخرت المرأة الجميلة من امرأة قبيحة، لشعورها بالتفوّق الجمالي عليها، فقد تكون تلك المرأة خيراً منها لجهة ما تملكه من قوة الذكاء أو الشخصية أو المعرفة العلمية، ونحو ذلك...

* * *

لا تلمزوا ولا تنابزوا

{وَلاَ تَلْمِزُواْ أَنفُسَكُمْ} بالتحدث عن معايبكم، فكأن الإنسان يذكر نفسه بالسوء عندما يذكر أخاه بالسوء، انطلاقاً من وحدة المجتمع وتكامله على تنوّع أفراده، {وَلاَ تَنَابَزُواْ بِالألْقَابِ} بأن يذكر أحدكم الآخر بلقب يوحي بذمه مما ينكره الناس، أو يذكره بما يكرهه من ألقاب لاصقة به بطريقة أو بأخرى، لأن ذلك يؤذي الناس ويسيء إليهم ويضغط على مشاعرهم وكرامتهم في المجتمع، {بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الأيمَانِ} فإن السخرية بالناس وذكرهم بما يسيء إليهم، يوجب اتّصاف الذاكر لهم بذلك والساخر منهم بصفة الفسق التي لا تتناسب مع صفة الإيمان التي يتمثلها في نفسه، فكيف يستبدل الإنسان بهذه الصفة الشريفة صفةً مخالفةً لها؟

وقيل: إن المعنى: بئس الذكر ذكر الناس ـ بعد إيمانهم ـ بالفسوق، فإن الحريّ بالمؤمن بما أنه مؤمن، أن يذكر بالخير ولا يطعن فيه بما يسوؤه، نحو: يا من أبوه كذا، ويا من أمه كانت كذا. والمعنى الأول أقرب، لأن الظاهر أنها واردةٌ في مجال التحذير من ذلك بلحاظ ما يترتب عليها من نتائج سلبية.

{وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} الذين ظلموا أنفسهم بالمعصية وظلموا غيرهم بالسخرية والإساءة، ما يجعلهم في موقع الظالمين في العقوبة والدرجة السفلى عند الله سبحانه.

وهذه بعض الضوابط التي تحفظ توازن السلوك الإنساني في العلاقات الاجتماعية، التي يراد بها إيجاد حالةٍ من الاستقرار النفسي والعملي الذي يفتح للمجتمع باب السلام، ويحقق له الثبات على قاعدة العدل واحترام إنسانيته.