تفسير القرآن
الذاريات / من الآية 24 إلى الآية 30

 من الآية 24 الى الآية 30

الآيــات

{هل أتاك حديث ضيفِ إبراهيم المُكرَمين* إذ دخلُوا عليه فقالوا سلاماً قال سلامٌ قومٌ مُنكَرُون* فَرَاغَ إلى أهله فجاء بعِجْلٍ سمينٍ* فقرّبَهُ إليهم قال ألا تأكلون* فأوجَس منهم خِيفةً قالوا لا تخَفْ وبشّروه بغُلامٍ عليمٍ* فأقبَلَتِ امرأتُهُ في صرَّةٍ فصَكَّت وجهَهَا وقَالَت عجوزٌ عقيمٌ* قالوا كذلك قال ربّك إنّه هو الحكيم العليم} (24ـ30).

* * *

معاني المفردات

{فَرَاغَ}: الروغ: الذهاب إلى الشيء في خفية.

{فَأَوْجَسَ}: الإيجاس: الإحساس في الضمير.

{خِيفَةً}: خوفاً.

{صَرَّةٍ}: الصرة: شدة الصياح وهو من صرير الباب، ويقال للجماعة: صرة.

{فَصَكَّتْ}: ضربت.

* * *

حديث ضيف إبراهيم

وهذه قصةٌ عجيبةٌ في إعجازها الإلهي، حيث رزق الله إبراهيم غلاماً بعد أن بلغت امرأته سنَّ اليأس، وهي توحي للإنسان بأن عليه أن ينفتح في إيمانه على الله دون ارتباطٍ بالأسباب العادية المألوفة، فإن الله يرزقه من حيث لا يحتسب، ويحرسه من حيث لا يحترس، ويبدع له الأسباب الخفية من حيث لا يعلم، ما يؤكد ثقته بربّه سبحانه.

{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} وهم الملائكة الذين دخلوا عليه {إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلامًا} في تحية الإسلام التي أراد الله أن تكون شعاراً يخاطب المؤمنون به بعضهم بعضاً، للإيحاء بمضمون السلام الشعوري في علاقاتهم العامة والخاصة، فـ{قَالَ سَلامٌ}، في جواب ينفعل بمعنى السلام المطروح منهم.

ولكنه تساءل في قلق عن هويّتهم، لأنه لا يتذكر أنه رآهم من قبل، ولهذا بادرهم بالقول: أنتم {قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} لأني لا أعرفكم فيمن أعرفه من الناس، ولكن ذلك لم يمنعه من الاستعداد لتدبير أمر ضيافتهم، {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ} أي ذهب إليهم دون أن يشعر ضيوفه بذلك، {فَجَآء بِعِجْلٍ سَمِينٍ} بعد أن ذبحه وشواه كما تدل عليه طبيعة المقام، {فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ} وعرضه عليهم، ولكنهم امتنعوا عن الأكل، لأنهم لا يأكلون الطعام، {فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ} في استنكارٍ لامتناعهم عن الأكل متسائلاً عن السبب، ولكنهم لم يجيبوا عن الموضوع.

{فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} لأنهم بدوا له، بسبب تصرفهم غير المعتاد، أشخاصاً غير طبيعيين كضيوف، فبادروه بالإعلان عن صفتهم الملائكية وبأنهم يحملون إليه رسالة إلهية في موضوع خاص وآخر عام، أمَّا الخاص، فيتصل بحياته الشخصية حيث {قَالُواْ لاَ تَخَفْ} فلسنا بشراً لنأكل كما يأكل البشر، بل نحن من الملائكة المرسلين إليك من قبل الله، {وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلَيمٍ} فزال خوفه منهم، وتقبَّل البشارة بوعي رسوليّ إيمانيّ مؤمن بقدرة الله، أما امرأته، فقد هزتها المفاجأة بشدة، لأنها لم تكن تنتظر هذا الحدث.

{فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ} كناية عن الضجيج الذي أثارته في مواجهة الموقف، أو أنها جاءت في جماعة من الناس، {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} أي لطمت وجهها بقوّةٍ، {وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ} أي كيف ألد وأنا عجوز غير قادرة على الإنجاب، لأني بلغت سن اليأس؟ {قَالُواْ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ} في ما أرسلنا لإبلاغه من حدث قدّر وقوعه، فليس هناك مجالٌ للمفاجأة، وليس هناك مبرّرٌ للشك، {إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} فهو الذي يدير الأمور بحكمته، ويقدّرها بعلمه.