تفسير القرآن
الذاريات / من الآية 38 إلى الآية 46

 من الآية 38 الى الآية 46
 

الآيــات

{وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطانٍ مبينٍ* فتولّى بِرُكْنِهِ وقال ساحرٌ أو مجنونٌ* فأخذناه وجُنُودَهُ فنبذناهُم في اليَمِّ وهو مُليمٌ* وفي عادٍ إذ أرسلنا عليهِمُ الريحَ العقيم* ما تذّرُ من شيءٍ أتَتْ عليه إلا جعلَتْهُ كالرّميم* وفي ثمودَ إذ قيلَ لهُم تمتَّعوا حتّى حين* فعَتَوْا عن أمْرِ ربّهم فأخذتْهُمُ الصّاعقةُ وهُم ينظُرُون* فما استطاعوا من قيامٍ وما كانوا منتصِرِين* وقومَ نوحٍ من قبلُ إنّهم كانوا قوماً فاسقين} (38ـ46).

* * *

معاني المفردات

{بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ}: بحجة ظاهرة.

{فَتَوَلَّى}: فأعرض.

{بِرُكْنِهِ}؛ الركن: الجانب الذي يعتمد عليه، وهنا: ركنه: جنده.

{فَنَبَذْنَاهُمْ}؛ النبذ: طرح الشيء من غير أن يعتدّ به.

{الْيَمّ}: البحر.

{مُلِيمٌ}: آتٍ بما يلام عليه.

{كَالرَّمِيمِ}: كالشيء البالي الهالك.

{فَعَتَوْاْ}؛ العتوّ: النبوّ عن الطاعة، وينطبق على التمرد.

* * *

آيات اللَّه في قوم موسى (عليه السلام)

وتتوالى آيات الله التي تثير الخوف من غضبه، وتدفع الناس إلى اتخاذ موقف مسؤول من الواقع الذي يحيط بهم، ليقودهم ذلك إلى التأمل والتفكير في قضية الرسالة ومفاهيمها وتشريعاتها ومناهجها في الحياة، وفي قيادة الرسول للحياة وللإنسان من خلالها، وتمر علينا في هذه الآيات قصة موسى(عليه السلام) مع قومه، وقصة عاد مع نبيهم، وقصة ثمود مع رسولهم، وقصة قوم نوح عليه السلام ونهايتهم الساحقة، ليعتبر بذلك الذين يقيمون على الكفر، ليبتعدوا عن العناد وينفتحوا على الإيمان.

{وَفي مُوسَى} آيةٌ لمن أراد الاعتبار {إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ} الذي كان يحكم الناس بالطغيان والجبروت، ويعلو عليهم بادعاء الربوبية، ويتحكم في المستضعفين منهم بكل أساليب التعسف والبغي، من قاعدة الاستكبار الذي يقوم على حماية مصالح المستكبرين على حساب حرية المستضعفين.

فجاء موسى (عليه السلام) ليقف في وجه ذلك كله، من موقع الحجة والبرهان، {بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} في ما مكّنه من المعجزة التي أذهلت فرعون وهزّت توازنه، وجعلته يطلق الكلام دون وعي، ليثير في وجه موسى كلمات الاتهام غير المسؤول، والسباب غير الموزون، {فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ} الذي يعتمد عليه، وهو القوم الذين يستقوي ويحارب بهم، وأعرض عن موسى عليه السلام، وأخذ قومه معه في هذه اللامبالاة التي توحي بالاستخفاف والغطرسة، {وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} اتهمه بالسحر تارةً ليسقط تأثير معجزته على من حوله، كي لا يؤمنوا به من خلالها، وبالجنون أخرى، لإبطال تأثير دعوته إلى الإيمان بالله والتوحيد في عبادته، والإخلاص في طاعته، وإلى إنقاذ المستضعفين من سيطرة الحكم الاستكباري الطاغي المتمثل بحكمه.

وتختصر الآية الموقف الفرعوني كله، لتصل إلى الأخذ الإلهي الحاسم الذي استأصل قوة هؤلاء وجعل الغلبة للحق في رسالة موسى (عليه السلام) {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمّ} حيث غرقوا جميعاً {وَهُوَ مُلِيمٌ} أي ملوم، لا يملك عذراً لما قام به، ولا حجّةً لما عمله بقيادته جنوده إلى الهلاك، فانظروا عاقبة الذين طغوا وبغوا في البلاد وتنكّروا لرسول الله.

* * *

وفي عاد وثمود ونوح

{وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرّيحَ الْعَقِيمَ} التي لا تنفع الحياة شيئاً، خلافاً لحال الرياح التي تنشىء السحاب، وتلقح الشجر، أو تذرو الطعام، بل هي ريحٌ تنتج الهلاك الذي يزهق الأرواح، ويهدّم الدور، ويقصف الأشجار.

{مَا تَذَرُ مِن شَيْء أَتَتْ عَلَيْهِ} في محيطها الذي تتحرك فيه {إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} إلاّ أهلكته وجعلته شيئاً بالياً.. وتلك آية لمن أراد الاعتبار، فهل نفهم جبروتهم واستكبارهم وتمرّدهم على الله ورسوله؟

{وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حَتَّى حِينٍ} إذ أمهلهم نبيهم صالح لما عقروا الناقة ثلاثة أيام ليرجعوا عن كفرهم وعنادهم، وذلك هو قول الله تعالى: {تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} (هود: 65).

{فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبّهِمْ} وتمردوا عليه واستخفّوا بوعيده، واعتبروا عقر الناقة انتصاراً لهم على الرسول، فلم يستفيدوا من المهلة التي أعطاهم إياها، {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ} التي جاءت مفاجأة لهم، وهي صيحة أسكتت فيهم كل نبضةٍ للحياة، {وَهُمْ يَنظُرُونَ} إليها نظرةً خائفةً حائرةً، {فَمَا اسْتَطَاعُواْ مِن قِيَامٍ} في ما يقوم به الإنسان ليدافع عن نفسه، {وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ} لو أرادوا الدفاع، لأنهم لا يملكون وسيلةً له، أو أراد غيرهم الدفاع عنهم، فلينظر الناس إلى هؤلاء ليأخذوا العبرة كيف يهلك الله الكافرين.

{وَقَوْمَ نُوحٍ مّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ} في شركهم بالله وتمردهم على أمره ونهيه، وفي تكذيبهم رسالة نوح عليه السلام، وسخريتهم منه، واستهانتهم به، فأخذهم الطوفان وهم لا يشعرون.