الآية 39
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيــة
{وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ}(39).
* * *
معاني المفردات
{صُمٌّ}: الصمم: فقدان حاسة السمع، وبه يوصف من لا يصغي إلى الحقّ ولا يقبله.
{وَبُكْمٌ}: جمع أبكم وهو الذي يولد أخرس، فكل أبكم أخرس، وليس كل أخرس أبكم، ويقال: بكم عن الكلام إذا ضعف عنه لضعف عقله، فصار كالأبكم.
{يُضْلِلْهُ}: الضلال: العدول عن الطريق المستقيم ويضادّه الهداية، ويقال: الضلال لكل عدول عن المنهج عمداً كان أو سهواً، يسيراً كان أو كثيراً، فإن الطريق المستقيم الذي هو المرتضى صعب جداً.
* * *
المكذبون بآيات الله في الظلمات
{وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـآياتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ} إن الآية تتحدث عن المكذّبين، على هُدى الأسلوب القرآني المتكرر الذي يعتبر الكفر والتكذيب غير مرتكز على مشكلةٍ فكريةٍ صعبة الحلّ، بل هو منطلقٌ من عقدةٍ نفسية تمنعهم من النظر لما يفتح آفاقهم على الحق، ومن الاستماع لما يهدي أفكارهم إلى الإيمان.
ولهذا، فإنهم يتخبّطون في ظلمات الشك والجحود، ولا يهتدون سبيلاً، لأنهم لا يسلكون السبيل الحق في ما منحهم الله من أدوات النظر والمعرفة.
أمّا كيف نتصور الصمّ في صفة هؤلاء المكذّبين؟ إنه في الذهنية المغلقة التي تسيطر على تفكيرهم انطلاقاً من خضوعهم للجهات التي يقلّدونها تقليداً أعمى بحيث سيطرت على عقولهم سيطرةً مطلقةً فعطّلتها عن التفكير، وللأهواء الضاغطة على أفكارهم بحيث تمنع أفكارهم عن التحرك بحريةٍ، وعن الانفتاح على الوضوح في الرؤية، لأن هذه الأهواء تثير الدخان الغريزي الكثيف الذي يحجب عنهم الحق.
أما البكم َفهم الذين يملكون معرفة الحق في وضوحه ونقائه، ولكنهم لا يعبّرون عنه بالكلمات الواعية وبالمواقف الناطقة بالحقيقة، لأنهم خاضعون لمصالحهم وأطماعهم التي تلتقي مع الباطل، وتبتعد عن الحق، الأمر الذي يجعلهم في حالة صمت غبيٍّ كما لو كانوا لا ينطقون.
وهؤلاء وأولئك موجودون في كل المجتمعات في كل زمانٍ ومكان في تنوّعات العناصر المختلفة في مذاهبها واتجاهاتها وأوضاعها ومواقعها على صعيد القادة أو القاعدة الشعبية.
وهم الذين واجهوا الدعوة الإسلامية منذ انطلاقها في مكة وفي مسيرتها الثانية في المدينة، فكانوا يتخبّطون في الظلمات في حالة ضلال وانحراف عن الصراط المستقيم.
{مَن يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ} أمّا الحديث عن إضلال الله لمن يشاء هدايته إلى الصراط المستقيم، فقد ذكرنا أكثر من مرة، في تفسير أمثال هذه الآيات، أن المشيئة لا تعني إحداث الضلال والهدى بشكل مباشر ولا اختيار للإنسان فيه، بل تعني إحداثهما بأسبابهما. وربما يعطي الله السائر في خط الهداية لطفاً من ألطافه، يعينه فيه على مواصلة الطريق، وقد يمنع السائر في خط الضلال بعضاً من رحمته، عقاباً له، فيضل عن سواء الطريق.
تفسير القرآن