تفسير القرآن
الأنعام / من الآية 48 إلى الآية 49

 من الآية 48 الى الآية 49

بسم الله الرحمن الرحيم

الآيتــان

{وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ ءَامَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ* وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَايَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ}(48ـ49).

* * *

معاني المفردات

{يَمَسُّهُمُ}: المسّ: كاللمس، لكن اللمس قد يقال لطلب الشيء وإن لم يوجد، كما قال الشاعر:

وألمســه فــلا أجــــده

والمسّ يقال في ما يكون معه إدراك بحاسة اللمس، وكنّي به عن النكاح، فقيل: مسّها وماسّها، والمسّ يقال في كل ما ينال الإنسان من أذى.

{يَفْسُقُونَ}: قال الراغب: فسق فلان: خرج عن حجر الشرع، وذلك من قولهم فَسَق الرطب إذا خرج عن قشره، وهو أعمّ من الكفر. والفسق يقع بالقليل من الذنوب وبالكثير، ولكن تعورف في ما كان كثيراً، وأكثر ما يقال الفاسق لمن التزم حكم الشرع وأقر به ثم أخلّ بجميع أحكامه أو ببعضه، وإذا قيل للكافر الأصلي فاسق، فلأنه أخلّ بحكم ما ألزمه العقل واقتضته الفطرة.[1]

دور المرسلين بتبشير الناس وإنذارهم

إنّ على الناس مواجهة مصيرهم من خلال وعي رسالات المرسلين، {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} فها هم الأنبياء يبشّرون الناس بالجنّة التي وعد الله بها عباده المتقين، وينذرونهم النار التي توعَّد الله بها الكافرين والظالمين، وهم لا يدّخرون جهداً في ما يثيرونه أمامهم من دلائل الإيمان وبراهينه، وعناصر القناعة الفكرية والروحيّة، بالمستوى الذي لا يترك هناك شبهة إلاّ وأوضحها، ولا يدع مشكلةً إلاّ وحَلّها. وبذلك تبرز أمامهم قصة المصير واضحةً جليّةً، {فَمَنْ ءَامَنَ وَأَصْلَحَ} حياته ومسيرته {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} فإنه سيقف موقف الآمن الفرح المطمئن.. {وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـآياتِنَا} أمّا الذين كذّبوا بالإيمان وبآيات الله في وحيه {يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} فإنهم ينتظرون العذاب كنتيجة طبيعيّة لكل أفكار الفسق وخطواته العملية في الحياة. وماذا يبقى للإنسان بعد ذلك إلا أن يختار مصيره بنفسه، في الجنة أو في النار، من خلال خطّ الفكر والعمل؟!

إنّ قضية الرسالات تتحرك من أجل إيجاد تفاعل فكري وروحي وعملي بين الرسل والناس من خلال الرسالة التي تبشّر بالنتائج الطيبة للمؤمنين الذين يعملون الصالحات، وتنذر بالنتائج السيئة للمكذبين بآيات الله، لينطلق الناس في عملية فكر وتأمل وحوار من أجل مواجهة مصيرهم الذي يتحدّد بالموقف الإيجابي أو السلبي من الرسالة.

وهذا هو دور الرسالات، فهي تعمل من أجل إثارة الفكرة وإيجاد الدوافع النفسية نحو الحركة على أساس العناصر الحية التي تخاطب فيها الرسالات وعي الإنسان في قناعاته وفي مصالحه الحيوية في حاضره ومستقبله.

ــــــــــــــ

(1) مفردات الراغب، ص:394.