من الآية 138 الى الآية 140
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيات
{وَقَالُواْ هَـذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَآءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ* وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْواجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَآءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ}(138ـ140).
* * *
معاني المفردات
{حِجْرٌ}: حرامٌ ممنوع محجَّر على الناس. والحجر: المنع، والحجر: العقل، وفلان في حجر القاضي، من حجرت حجراً، أي: في منع القاضي من الحكم في ماله، وحَجر المرأة وحِجرها ـ بالفتح والكسر ـ حضنها.
{سَفَهاً}: جهلاً وخفة عقل. وأصل السفه: خفة في البدن. ومنه قيل: زمام سفيه: كثير الاضطراب، واستعمل في خفة النفس لنقصان العقل. والفرق بين السفه والنزق، أنّ السفه عجلة يدعو إليها الهوى، والنزق عجلة من جهة حدة الطبع والغيظ.
{افْتِرَآءً عَلَى اللَّهِ}: أي: كذباً على الله.
* * *
بعض أوضاع الجاهليين في التحليل والتحريم
وكانوا يحرّمون ويحلّلون، دون أيّ أساس شرعيّ للتحريم وللتحليل. فكانوا يحرّمون بعض الإبل والبقر والغنم، وهي الأنعام، وبعض الزروع، وربما كان المقصود بها ما جعلوه لالهتهم وأوثانهم، ويقولون: {وَقَالُواْ هَـذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ} أي: حرام محجَّر على الناس أن يطعموا منها، {لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ} ممن نأذن له، {وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا} وكانوا يحرّمون ركوب بعض هذه الأنعام، وهي السائبة والبحيرة والحام التي قيل إنها الحامي الذي حمى ظهره إذا ركب ولد ولده عندهم فلا يركب ولا يحمل عليه، كما في مجمع البيان[1]. {وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا} وهناك أنعام لا يذكرون اسم الله عليها، ولا في شيء من شأنها، {افْتِرَآءً عَلَيْهِ} ولكن ذلك افتراءٌ على الله، وسيجازيهم عليه يوم القيامة {سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} وكانوا يميزون في ما تنتجه بعض الأنعام من أجنّةٍ، فيجعلونها خالصةً للذكور دون الإناث إذا ولدت أحياءً، أمّا إذا وُلدت ميتةً فيشترك فيها الذكور والإناث.
{وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْواجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ}، ولكن ذلك افتراءٌ، لأن التحريم والتحليل بيد الله ولم يحرم شيئاً من ذلك {سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ} في يوم القيامة، على أساس حكمته في الجزاء، وعلمه بما يفعلون، {إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}.
ويؤكد الله في نهاية المطاف خسارة هؤلاء الذين قتلوا أولادهم سفهاً من دون أساسٍ معقول، بغير حجة {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ} فقد فعلوا ذلك خوفاً من الفقر وهرباً من العار، من دون تفكير بأن الله الذي تكفّل بأرزاقهم قد تكفّل بأرزاق أولادهم، وأنّ العار ليس أمراً حقيقياً، لأن قضية سبي البنات أو الاعتداء عليهن لا يمثل عاراً على الأهل من خلال دراسة مسألة الشرف والعار في ميزانهما الواقعي، لا سيما إذا لم تكن المسألة باختيارهنّ ـ أي البنات ـ بل خضوعاً للقوة القاهرة التي لا يتحمل الإنسان مسؤولية ما يحصل له من خلل في فعله من خلالها، ولهذا كان القتل الذي يمثل رد الفعل على هذا الوهم الكبير الذي يعيشونه، حركة جهل بالميزان الذي لا بد للإنسان من أن يلتزمه في تقدير الأمور، لا سيما في ما يقبلون عليه من عذاب الله. وهكذا يتحرك في خط الخسارة الذين حرّموا ما رزقهم الله افتراءً عليه {وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَآءً عَلَى اللَّهِ} فقد ضلوا طريق الحق، ولم يركنوا إلى هدى، وسيخسرون مصيرهم يوم القيامة {قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ}.
ـــــــــــــ
(1) انظر: مجمع البيان، ج:4، ص:641.
تفسير القرآن