من الآية 145 الى الآية 147
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيـــات
{قُل لاَ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ* وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَآ أَوِ الْحَوَايَآ أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ* فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}(145ـ147).
* * *
معاني المفردات
{رِجْسٌ}: الرجس: الشيء القذر. قال الراغب: الرجس يكون على أربعة أوجهٍ، إما من حيث الطبع، وإما من جهة العقل، وإما من جهة الشرع، وإما من كل ذلك، كالميتة، فإنّ الميتة تُعاف طبعاً وعقلاً وشرعاً، والرِّجس من جهة الشرع الخمر والميسر، وقيل: إن ذلك رجسٌ من جهة العقل، وعلى ذلك نبَّه بقوله تعالى: {وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} [البقرة:219]، لأن كل ما يغلب إثمه على نفعه فالعقل يقتضي تجنُّبه، وجعل الكافرين رجساً من حيث إن الشرك بالعقل أقبح الأشياء، قال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} [التوبة:125] وقوله تعالى: {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} [يونس:100] قيل: الرجس النتن، وقيل: العذاب، وذلك كقوله: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] وقال: {أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} وذلك من حيث الشرع، وقيل: رجس ورجز للصوت الشديد[1].
{فِسْقًا}: الفسق: الخروج عن حجر الشرع، وذلك من قولهم: فسق الرطب إذا خرج عن قشره، وهو أعمّ من الكفر، والفسق يقع بالقليل من الذنوب وبالكثير، لكن تعورف في ما كان كثيراً، وأكثر ما يقال الفاسق لمن التزم حكم الشرع وأقرّ به ثم أخلّ بجميع أحكامه أو ببعضه، وإذا قيل للكافر الأصلي فاسق، فلأنه أخلّ بحكم ما ألزمه العقل واقتضته الفطرة.
{ظُفُرٍ}: الظفر ظفر الإنسان وفي غيره قال: {كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} أي: ذي مخالب، ويعبّر عن السلاح به تشبيهاً بظفر الطائر إذ هو له بمنزلة السِّلاح.
{الْحَوَايَآ}: المصارين والأمعاء لأنها تحوي الفضلات، وقيل: كل ما تحويه البطن، وقيل: المباعر.
* * *
الانحراف في مسألة التحريم عند البعض في زمن النبي (ص)
ويبقى الانحراف في مسألة التحريم يحكم الموقف في آيات الله، لأنه من القضايا التي تتصل بالمبدأ، فالمسألة هي مسألة الافتراء على الله في مجال التشريع، أن تقول لشيءٍ لم يحرّمه الله إنه حرام، مستغلاً ـ في ذلك ـ جهل الناس وسذاجتهم، وغموض قواعد التحريم والتحليل في بعض المجالات، وتلك هي قصة الكثيرين الذين يجعلون من أنفسهم مشرِّعين باسم الله في ما يلبّسون به على الناس من أمر دينهم، ويريد القرآن في هذا التدرج والتنوع في أسلوب معالجة القضية أن يوحي بأنها مسألة مهمّة جداً، وبأن علينا أن نتبع كل الوسائل في سبيل كشف الزيف الذي يقوم به أمثال هؤلاء، بإثارة علامات الاستفهام التي تحرجهم، وبالتنديد بهم، وبمواجهتهم بالحجة القاطعة ـ في نهاية المطاف ـ من أجل إبعاد الساحة عن شياطين الكذب والافتراء، ليبقى الإسلام بعيداً عن الكذب والتشويه والتمويه..
وهكذا يقف النبي(ص) بصفته الرسالية، في ما يريد الله له أن يقف، ليؤكّد الأصل في تكذيب كل دعاوى التحريم، فإنّ الله عندما يحرّم شيئاً على الناس، فإنه يوحي به إلى رسوله. وقد حدد الله لرسوله عدة محرمات، فلم يجد ما يدّعيه بعض الناس من هذه المحرّمات، فمن أين جاء هؤلاء من تحريم ما حرّموه؟ هل هناك نبيٌّ آخر؟ هل هناك وحيٌ آخر لم تعرفه النبوّة؟ ليس هناك شيءٌ من هذا، ولم يدَّعِهِ حتى هؤلاء المدّعون.
* * *
بيان المحرمات من الحيوانات
{قُل لاَ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} في ما يأكله الناس من لحوم الحيوانات، أو من غيرها مما يشمل ما ادّعى هؤلاء حرمته {إِلاَ أَن يَكُونَ مَيْتَةً} مات حتف أنفه، {أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا} وهو ما يتدفّق من الذبيحة وينصبُّ منها، أما ما يختلط باللحم ولا يمكن تخليصه منها إلا بجهدٍ فوق العادة، فهو معفوٌّ عنه مباح، {أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} أي: قذر تستقذره النفس وتنفر منه، {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} وهو ما ذبح على اسم غير الله، وهو الأصنام والأوثان، فإنه فسق لأنه قد تجاوز أمر الله في ما أمر به من ذكر اسمه عليه، والإهلال: رفع الصوت بالشيء، وهو كناية عن ذكر الاسم الذي تذبح الذبيحة عليه.
وقد يستوحي الإنسان من التعبير بقوله: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} أنه إشارة لما ورد في آية سابقة: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام:121] بأنهما يفيدان معنى واحداً، فيكون المحرّم هو ما أهلّ لغير الله به، باعتبار أنَّ ما لم يذكر اسم الله عليه هو الذي كان يرافقه غالباً ما ذكر اسم غير الله عليه، وكذلك لأن الذبح كان لا يخلو من أحد الأمرين في ما سبق، وبهذا قد يفهم الفقيه، أن التحريم في مثل هذه الموارد، كان ناشئاً من ذبحه على الأوثان، فلو لم يذبح على هذا الأساس، بأن لم يذكر فيه اسم الله ولا غيره، إما جهلاً أو سهواً، فيحكم بحليّة الذبيحة.
إنه موضوع للتفكير، لأننا لسنا هنا في بحث فقهي مفصّلٍ. {فَمَنِ اضْطُرَّ} إلى الأكل مما ذكر {غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} وقد تقدم الحديث عن معنى الباغي والعادي وعن بعض ما يتعلق بتفصيلات هذه الأمور في سورة المائدة آية 2، وفي سورة البقرة آية 173.
وقد يطرح سؤالٌ هنا، أن الآية ظاهرة في اقتصار التحريم على هذه الأمور، في الوقت الذي نجد في الشريعة من المحرّمات ما هو أكثر من ذلك، فكيف نفسر الموضوع؟
ويجاب عن هذا بأن الآية مكية، وأنها واردة في مقام ردّ هؤلاء الذين ادّعوا تحريم ما حرّموه، فكانت بياناً لما كان محرّماً في ذلك الوقت ممّا أنزل على النبي(ص) من المحرّمات، ممّا لم يتضّمن ما ذكروه، ومما اقتصر على ما جاءت به الآية، ثم توسع التحريم ـ بعد ذلك ـ على حسب تدرّج الشريعة في نزول الأحكام، كما نلاحظ ذلك في سورة المائدة التي هي من السور المدنية، وكما نلاحظ ذلك في ما ورد من السنة النبويّة من تحريم أشياء غير مذكورة في القرآن الكريم.
ولكن ربّما نلاحظ على هذا الجواب أن مثل هذا الحصر للمحرّمات قد ورد في سورة البقرة في آية (173) بما يقرب من هذا التعبير في قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالْدَّمَ وَلَحْمَ الْخَنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} وذلك بأسلوب الحصر مع أن سورة البقرة مدنيّة.
وقد يخطر بالبال أن هذه الآية واردةٌ في حصر المتعارف من الحيوانات التي يأكلها الناس في ذلك الوقت فيخرج منها أمثال الحيوانات التي لم يتعارف بينهم أكلها، كالكلاب والسباع والحشرات ونحوها، فلم تكن واردة في عنوان الآية: {عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} لتخرج منها وليرد إشكال التخصيص بالأكثر، فيكون الحصر إضافياً لا حقيقياً. وربما قيل: إن الحصر حصر إضافي من جهة أخرى، وهي أن هذه الآية ناظرة فقط إلى نفي الأحكام الخرافية التي كانت شائعةً وسائدةً في أوساط المشركين، كأن الآية تقول: إن المحرّمات الإلهية هي هذه المذكورة في الآية. ولكنّ ذلك كلّه خلاف الظاهر.
ولا بدّ من التوسّع في بحث هذه المسألة من ناحيةٍ فقهية، لأننا نلاحظ في بعض الروايات الواردة في كتب أهل السنة، أو في كتب أهل الشيعة، أن الحرام هو ما حرّم الله في كتابه، في مواجهة روايات أخرى تحرّم حيوانات لم يأت ذكرها في القرآن الكريم، وهو ما قد يرفضه بعض الفقهاء، أو يعتبره بعض آخر من قبيل التخصيص لعمومات الكتاب، لما ثبت عندهم من جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد.
ونشير في هذا المجال إلى بعض الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت(ع) ، ما ينفي تحريم غير ما هو مذكور في القرآن، فقد جاء في تفسير العياشي ـ في ما نقله الميزان عنه ـ عن حريز عن أبي عبد الله جعفر الصادق(ع) قال: "سئل عن سباع الطير والوحش حتى ذكر له القنافذ والوطواط والحمير والبغال والخيل، فقال: ليس الحرام إلاّ ما حرّم الله في كتابه، وقد نهى رسول الله(ص) يوم خيبر عن أكل لحوم الحمير، وإنما نهاهم من أجل ظهورهم أن يفنوه، ليس الحمير بحرام. وقال: قرأ هذه الآيات {قُل لاَ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}"[2]. وفي روايات أخرى عن الإمامين الباقر والصادق(ع) جاء في بعضها: "إنما الحرام ما حرّمه الله في كتابه ولكنهم كانوا يعافون أشياء فنحن نعافها"[3].
وربّما كان تحريم ما حرّمه النبي(ص) مما ثبت تحريمه بدليلٍ معتبر، منطلقاً من اندراجه تحت عنوان الخبائث الذي أشارت إليه الآية الكريمة الواردة في صفة رسول الله(ص) في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِث} [الأعراف: 157] كما ذكر في تفسير الميزان[4].
ولكن قد يخطر بالبال أنّ مفهوم الخبائث من المفاهيم المتحرّكة التي تختلف فيها الأذواق في حياة الشعوب بحسب مدلولها العرفي في إطلاق الكلمة، فقد يكون الشيء خبيثاً لدى جماعة وغير خبيث عند جماعةٍ أخرى، وقد لا ينطبق ـ في المفهوم العام ـ على كثير من المحرّمات كالسباع في الطير أو في الحيوانات البحرية، فلا بد من القول بأن الخارج منها وارد على سبيل التّخصيص الذي لا يلزم منه تخصيص الأكثر، باعتبار خروج الكثير بعنوان واحد لا بأسمائها المتعدّدة الكثيرة، والله العالم.
والمسألة من مسائل الفقه، فلا بد من الرجوع إلى تفاصيلها في الكتب الفقهيّة، لأننا هنا بصدد البحث عما يتعلق بالجانب التفسيري من الآية.
* * *
تحريم كل ذي ظفر
{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} ذكر في مجمع البيان، أن المفسرين اختلفوا في معناه، فقيل: هو كل ما ليس بمنفرج الأصابع كالإبل والنعام والإوزّ والبط، عن ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة ومجاهد والسدي، وقيل: هو الإبل فقط عن ابن زيد، وقيل: يدخل فيه كل السباع والكلاب والسنانير وما يصطاد بظفره عن الجبائي، وقيل: كل ذي مخلب من الطير وكل ذي حافر من الدواب عن القتيبي والبلخي[5]. ونلاحظ أن الاختلاف هنا في التخصيص والتعميم، مما هو خارجٌ عن نطاق مدلول الآية في إطلاقها، لأن الظاهر من كلمة {ذِي ظُفُرٍ} هي ذوات الأظفار بشكل كليّ، كما تشير إليه كلمة {كُلَّ}، أمَّا ما هو غير ذلك، أو ما يخصص ذلك بمورد خاص، فلا بد من الرجوع فيه إلى أحاديث السنّة.
* * *
ما هو محرم من البقر والغنم
{وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ} مما هو في أجوافهما {إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَآ} من الشحم، وهو المتّصل باللحم السمين في الظهر {أو الحوايا} وهي المصارين والأمعاء، لأنها تحوي الفضلات، وقيل الحوايا: كل ما تحويه البطن، فإن الشحوم المتصلة بها غير محرّمة، وقيل هي المباعر.. {أَوْ مَا اخْتَلَطَ} وهو شحم الجنب والإلية لأنه على العصعص ـ وهو عجب الذنب وعظمه ـ.
{ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ} فقد عاقبهم الله على عدوانهم، بتشديد القيود عليهم في مآكلهم.. فقد كانت أحكام التحريم المتنوعة عقوبةً لهم على قتلهم الأنبياء وأخذهم الربا واستحلالهم أموال الناس بالباطل، كما جاء في الآية الكريمة: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا}[النساء:160].
وفي مجمع البيان: وقيل إن ملوك بني إسرائيل كانوا يمنعون فقراءهم من أكل لحوم الطير والشحوم، فحرّم الله ذلك ببغيهم على فقرائهم، ذكره علي بن إبراهيم في تفسيره. ويتساءل صاحب مجمع البيان حول موضوع انطلاق التكليف من موقع العقوبة، فيتابع قائلاً: ويُسأل فيقال: كيف يكون التكليف عقوبةً، وهو تابعٌ للمصلحة وتعريضٌ للثواب؟ وجوابه أنه إنما سمي جزاءً وعقاباً، لأنّ عظيم ما فعلوه من المعاصي اقتضى تحريم ذلك وتغيير المصلحة فيه، ولولا عظم جرمهم لما اقتضت المصلحة ذلك[6].
ونلاحظ على ذلك، أنّ مثل هذه التعليلات الاعتراضية والجوابيّة، خاضعٌ للمدرسة العقليّة الفلسفية التي تحاول أن تخضع خطّ التكاليف للمصالح والمفاسد الكامنة في طبيعة الأشياء، ولكننا نعتقد أن من الممكن أن تكون المصالح والمفاسد كامنةً في إصدار الأحكام، وذلك من ناحية تأديبيّة، في ما تقتضيه خطّة التأديب التي تفرض على الناس تنفيذها إلى مرحلة معينة، كما نجده في ما حكاه الله عن عيسى(ع): {وَلأحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ} [آل عمران:50] وربما كان هذا هو مقصود صاحب مجمع البيان.
{وِإِنَّا لَصَادِقُونَ} في ما نخبركم به من قضايا التحريم في الماضي وفي الحاضر، {فَإِن كَذَّبُوكَ} واستمروا في ضلالهم وتمرّدهم {فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ } ومن رحمته أنه لا يعاجل المكذّبين بالعقوبة، بل يمهلهم ويفتح لهم باب التوبة، ليرجعوا إليه ويتراجعوا عمّا هم فيه من العصيان والتمرّد، ولكنه لا يهمل العاصين والظالمين إذا استمروا، وليس لهم من أحدٍ يدافع عنهم أمام الله، {وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} فسيواجهون عذابه، إذا أصرّوا على أن يكونوا من القوم المجرمين.
ــــــــــــــ
(1) مفردات الراغب، ص:193.
(2) تفسير الميزان، ج:7، ص:382 ـ 383.
(3) م.ن، ج:7، ص:383.
(4) انظر: م.ن، ج:7، ص:383.
(5) مجمع البيان، م:2، ص:470.
(6) م.س، ج:4، ص:470 ـ 471.
تفسير القرآن