الآية 158
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيـــة
{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ}(158).
* * *
معاني المفردات
{آيَاتِ رَبِّكَ}: أشراط الساعة التي تضطرهم إلى معرفة ما اكتسبوا بأفعالهم وأعمالهم، خيراً أو شراً، ويكون ذلك في حالة الموت، أو مواجهة العذاب، أو حلول القيامة.
* * *
تهديد الله المشركين بالعذاب
قال المفسرون، إن هذه الآية تتحدث عن تهديد المشركين الذين أعرضوا عن الله وآياته. {هَلْ يَنظُرُونَ} أي: هل ينتظرون، والاستفهام للإنكار، {إِلاَ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلائِكَةُ} أي: ملائكة الموت، وهو كناية عن قبض أرواحهم {أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} أي: عذابه وانتقامه {أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ} وهي أشراط الساعة. وبهذا يكون معنى قوله: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} حالة التوبة عند مواجهة أمر الله في حالة الموت أو مواجهة العذاب، أو حلول يوم القيامة، فإن الإيمان المقبول هو الإيمان الذي ينطلق من موقع القناعة الوجدانية الثابتة بالدلائل الواضحة والبراهين القويّة، ويتحرك في خط العمل الصالح من خلال ذلك، وهذا يوحي بما جاءت به الآيات المتعدِّدة، في ضرورة انضمام العمل الصالح إلى الإِيمان {قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ } وهذا واردٌ في مقام التهديد والوعيد.
ولكنّنا نستقرب أن تكون الآية واردةً في اتجاهٍ آخر، وهو ما كانوا يواجهون به الرسول من التحديات والاقتراحات من نزول الملائكة أو مجيء الله، أو مجيء الآيات المعجزة، ماذا ينتظر هؤلاء حتى يؤمنوا، بعد أن قامت لديهم الأدلة الواضحة على أسس الإيمان؟ هل ينتظرون الملائكة أن تأتيهم ليتعرفوا من خلالهم صدق النبي في رسالته؟ أو يأتي الله إليهم ليخبرهم أنه قد أرسل محمّداً إليهم؟ أو هل ينتظرون أن يأتي الله ببعض معاجزه؟ ولكن الحديث عن نزول الملائكة إليهم يشبه الحديث عن التمنيات الخياليّة، إذ لم يسبق لأية أمّةٍ أن أنزل الله عليها الملائكة، لتؤمن بسبب ذلك، أما أن يأتي الله إليهم، فهو الحديث المستحيل الذي لا معنى لإثارته، لأن الله، جلّت عظمته، ليس شيئاً كالأشياء، ليأتي إليهم أو يواجههم، أما حكاية إتيان أمره وعقابه، فلا يتناسب مع جوّ الآية، إذ لا ضرورة لهذا التعظيم للموقف، وهذا بخلاف قوله تعالى: {وَجَآءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} [الفجر:22]، فإن المقصود الإيحاء بعظمة الموقف وخطورته بتصوير الحضور الفعليّ لله في نطاق جوّ القيامة.
وإذا كان الحديث عن نزول الملائكة خيالاً، وعن إتيان الله مستحيلاً، فلا معنى لفرضه، ولهذا تجاوزته الآية، وأكدت على الأمر الثالث، وهو إتيان بعض آيات الله، لأنه أمر معقول وواقع. والظاهر أن المراد بالآيات هو ما كان الكفار يطلبونه من الأنبياء، وهي آيات العذاب، كما في مثل قوله تعالى: {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الأعراف:70] وبذلك يمكن أن نفهم معنى قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ} ما كان ينزله على الأمم السابقة كالطوفان والغرق والريح الشديدة، والصيحة، ونحو ذلك من مظاهر العذاب.
{لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} لأن العذاب إذا وقع، فلا مجال للإيمان بعده، إذا لم يكن الإيمان والعمل الصالح سابقاً. وفي هذا الجو، تأتي الفقرة الأخيرة منسجمةً مع الجوّ الذي يوحي بالتهديد والسخرية {قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ} ما تنكشف عنه نتائج مواقفكم الكافرة والضالّة.
تفسير القرآن