تفسير القرآن
الأنعام / من الآية 161 إلى الآية 163

 من الآية 161 الى الآية 163
 

بسم الله الرحمن الرحيم

الآيـــات

{قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}(161ـ163).

* * *

معاني المفردات

{قِيَمًا}: قائماً على مصالح الناس بأروع قيام، أو قيّماً على أمورهم وقضاياهم من القيمومة.

{مِّلَّةَ}: جاء في المجمع: الملّة: الشريعة مأخوذة من الإملاء، كأنه ما يأتي به الشرع ويورده الرسول من الشرائع المتجدّدة، فيُملّه على أمّته ليُكتب أو يحفظ، فأما التوحيد والعدل فواجبان بالعقل ولا يكون فيهما اختلاف، والشرائع تختلف، ولهذا يجوز أن يقال: ديني دين الملائكة، ولا يقال: ملّتي ملّة الملائكة، فكلّ ملّةٍ دين وليس كل دينٍ ملة[1].

{وَنُسُكِي}: عباداتي جميعاً، والنسك: العبادة، والمناسك: مواقف النسك وأعمالها. والنسيكة: الذبيحة، قال الزجّاج: النسك: كل ما تقرّب به إلى الله تعالى، إلا أن الغالب عليها أمر الذبح، وقول الناس: فلان ناسك، ليس يراد به ذابح، وإنما يراد به أنه يؤدي المناسك، أي يؤدي ما افترض عليه مما يتقرب به إلى الله[2].

* * *

النبيّ يعبّر عن امتنانه الروحيّ لله

ويعبّر الأسلوب القرآني عن الفكرة من خلال التجسيد الحيّ المتمثّل في الشخص القدوة، لأن الإنسان ـ يتأثر ـ عادةً ـ بالمثال الحيّ، أكثر ممّا يتأثر بالمثال المجرّد، ولهذا أراد الله للنبيّ أن يناجي ربه بخشوع الإنسان المؤمن، ليعبّر عن الامتنان الروحي لله في ما هداه وفي ما فتح له من نوافذ المعرفة التي تطل على آفاق الهدى والإيمان.

{قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ} وتلك هي نعمته الكبرى، لأنها تنقل الإنسان إلى أجواء الثقة والوضوح والامتداد في الخط المستقيم من البداية إلى النهاية المشرقة، ليعيش الامتداد الرحب فيما بينهما، بوعيٍ وطمأنينة {دِينًا قِيَمًا} أي: قائماً على مصالح الناس الذين يهتدون بهديه، وقيّماً على أمورهم وقضاياهم، لأنه يمثل القوّة المهيمنة، المشرفة على تنظيم حياتهم من حيث التشريع، أو من حيث القيادة.

{مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} الذي كان يمثل الإخلاص لله {حَنِيفًا} أي: مائلاً عن خط الشرك ومنفتحاً على خط التوحيد، {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} بل كان يمثل المواجهة الفعّالة للشرك وللمشركين.

{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي} وهو مطلق العبادة {وَمَحْيَايَ} في كل ما تشتمل عليه الحياة من شؤونٍ وقضايا وأوضاعٍ تتعلق بالعلاقات والمواقف والأعمال {وَمَمَاتِي} في ما ينطلق به الإنسان من المشاريع العملية الجهادية التي تنهي حياته {للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} لأن معنى العبودية لله هو الاستسلام له في كل شيءٍ واعتبار طاقاته كلها في جميع ما يتعلق بها من أمور وحركات وأوضاع، خاضعة لله، فإذا صلى فللّه صلاته، وإذا قام بالعبادة في أيّ نوعٍ منها فلله العبادة، وإذا وقف أمام حركة الحياة والموت في وجوده، لم يجد أمامه غير الله من يملك أمر الحياة والممات، ليقدّمه إليه طائعاً مختاراً من موقع إحساسه بالعبودية الحقة.

{لاَ شَرِيكَ لَهُ} فهو الإله الواحد الذي يستحقّ الخضوع والعبودية {وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} لأن ذلك هو ما يأمر به الله سبحانه، من الخضوع للحق، في ما يؤمن به الإنسان من ذلك كله {وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}. ربما تكون هذه الكلمة من كلام الرسول(ص) مما أراد الله له أن يتحدث به ويعلنه من مواقفه، لأنه أوّل من آمن بالإسلام الذي جاء به، فقد كانت دعوته الناس إلى الإيمان بهذا الدين، منطلقة من مبادرته إلى الإيمان به، فيكون ذلك إيحاءً بأن أيّة داعية إلى أيّة عقيدةٍ أو فكرةٍ، لا بدّ له من أن يعيش فكر العقيدة في نفسه، قبل أن يدعو الناس إليها، وربما تكون هذه الكلمة تعبيراً عما يجب أن يعيشه الإنسان المسلم في مستوى إيمانه بحيث يحاول أن يكون في الدرجة الأولى في الإسلام من بين المسلمين.

ــــــــــــــــ

(1) مجمع البيان، ج:4، ص:485.

(2) م.س، ج:4، ص:485.