تفسير القرآن
المجادلة / الآية 11

 الآية 11
 

الآيــة

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُواْ يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُواْ فَانشُزُواْ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (11).

* * *

معاني المفردات

{تَفَسَّحُواْ فِي الْمَجَالِسِ}: التفسُّح الاتساع، والتفسح والتوسّع واحد.

{انشُزُواْ}: النشوز ـ كما قيل ـ الارتفاع عن الشيء بالذهاب عنه، والنشوز عن المجلس أن يقوم الإنسان عن مجلسه ليجلس فيه غيره إعظاماً له وتواضعاً لفضله.

* * *

 

الإفساح في المجالس

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُواْ يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} وهذا لون من ألوان الأدب الإسلامي الاجتماعي الذي يتناول موضوع الأدب في الجلوس، فقد يجلس الناس حول النبي(ص) أو حول أيِّ شخصٍ مرموقٍ ممن يحتاج الناس إليه لعلمه أو لغير ذلك مما يتصل بحياتهم، بحيث لا يجد القادم مكاناً للجلوس إليه، لأنهم ليسوا مستعدين للتنازل عن مكانهم الذي يجلسون فيه في غير حاجةٍ، أو للتوسع في المكان ليجلس فيه هذا القادم، بفعل التعقيدات الذاتية التي تعيش في نفوسهم. فكانت هذه الآية من أجل توجيههم إلى ضرورة التوسع في المجالس، في ما يملكون من السعة فيه {وَإِذَا قِيلَ انشُزُواْ فَانشُزُواْ} والنشوز هو الارتفاع عن المكان، والمراد به هو القيام منه، والتنازل عنه لمن هو أكبر سناً وأفضل علماً وأكثر تقوى، في ما يمثله ذلك من الاحترام له، فإن ذلك هو النهج الذي ينبغي للمسلمين أن ينتهجوه في علاقاتهم الاجتماعية في توقير الكبار في السن، وتعظيم العلماء والأتقياء، بالطريقة التي توحي بذلك في السلوك الاجتماعي العام.

{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ} أي ما يمثله الإيمان من قيمةٍ كبيرةٍ عند الله، {وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} فإن للعلم قيمته الكبيرة عند الله، القيمة التي يريد للناس أن يؤكدوها في حياتهم في المظهر الخارجي، كما هو الحال في الشعور الداخلي. وربما كان في المقارنة بين المؤمنين والعلماء في رفع الدرجة عند الله إيحاء بأن اقتران هاتين الصفتين هو القيمة العظيمة في ميزان التعظيم لديه، {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} في ما يراقبه من أعمالكم في مواقع طاعته.

وقد نستوحي من هذه الآية أنّ على الناس أن ينظروا إلى مسألة المكان نظرةً واقعيةً بسيطةً، فلا يعتبروه قيمةً كبيرةً في ذاته، بحيث يكون التوسّع فيه أو التنازل عنه للآخرين مشكلةً ذاتيةً يتعقدون من خلالها، لما قد يشعرون فيه أو يشعر الناس من حولهم بأن ذلك يمثل نزولاً في مكانتهم أو إساءةً إلى مقامهم، بل يريدهم أن يواجهوا الموقف بحاجة الآخرين إليه، من موقع حاجاتهم، بالمستوى الذي قد يتقدم على حاجة الجالسين إليه، أو من موقع مكانتهم، بالتعبير العملي عن تقديرهم لإيمانهم أو لعلمهم أو عن تفاعلهم معهم في ما يتصفون به من عجزهم أو شيخوختهم التي توحي بالرحمة والمؤاساة، لتعيش القضية في وجدانهم على أساس روحية العطاء الأخلاقي لا على أساس العقدة الذاتية في إحساسهم بقضايا الآخرين.