الآية 22
الآيــة
{لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُواْ ءَابَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاَْنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (22).
* * *
معاني المفردات
{وَأَيَّدَهُمْ}: التأييد: التقوية.
* * *
صفة المؤمنين بالله ورسوله
كيف تكون صفة المؤمنين بالله ورسوله، في علاقاتهم الروحية، وفي مشاعرهم العاطفية، وفي مواقفهم الحركية، في ما يتصل بالفئات الكافرة الضالة المخالفة لله ورسوله في عقيدتها وفي خطواتها العملية؟ فهل يحاولون الفصل بين الموقف العقيدي والموقف الذاتي، لتكون عاطفة القرابة حيةً في نفوسهم، بحيث لا تؤثر عليها عاطفة العقيدة، فتنفتح قلوبهم للكافرين الذين يمتون إليهم بصلة القرابة، أو يعملون على أن يكون الموقف واحداً، لتكون الذات تجسيد العقيدة، ولتكون العقيدة عنوان الذات، لأن المسألة في الانتماء العقيدي ليست شيئاً يتحرك في زاويةٍ من زوايا الكيان، بل هي الروح التي تشمل الكيان كله؟
* * *
ما تعالجه هذه الآية بأسلوبها الخاص
{لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} لأن الإيمان بالله واليوم الآخر يمثل خطّاً للفكر والعاطفة والحياة، كما تمثل المحادة لله ورسوله خطّاً آخر في هذه المواقع، ما ينعكس على المواقف والعلاقات الخاصة التي تحمل الرفض للفكر المضادّ، وللموقف المعادي، وللإنسان المتمرِّد الحاقد، فلا يجتمع في وعي الإنسان المؤمن وموقفه الانفتاح على الله وعلى رسوله وعلى دينه والموادَّة المخلصة المنفتحة على المعادين لهم بالموقف والعاطفة، لأن ذلك يمثل اجتماع الشعورين المتنافرين، كما يفرض التقاء الموقفين المتضادَّين في ما تفرضه طبيعة كلٍّ منهما من شعورٍ وموقف.
وعلى ضوء ذلك، فإنّ كلّ واحدٍ منهما ينفي الآخر، ما يعني أن الإيمان موقفٌ ينفي الودّ الفكري والروحي والعملي لمن حادَّ الله ورسوله {وَلَوْ كَانُواْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} فلا قيمة لصلة القرابة، مهما كانت قريبة، أمام مسألة العقيدة، فقد تفرض عليه العقيدة في مواقف التحدي أن يقتل الإنسان أباه أو ولده أو أخاه أو أفراد عشيرته إذا وقفوا في الموقف المعادي للإسلام وللمسلمين، كما حدث لبعض الصحابة في معركة بدر، وكما حدثنا القرآن الكريم عن موقف نوح من ولده وعن موقف إبراهيم من أبيه. وهذا هو الخط الذي يريد الإسلام للإنسان المسلم أن يقف عنده ويتحرك فيه، ليكون منفصلاً عن كل المواقع المضادة للإسلام، في عملية رفضٍ فكري وعملي، يؤكد على الحاجز الفاصل بين الإسلام والكفر، لتكون المواقف تابعةً له.
{أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ} من خلال عمق الفكرة والشعور، بحيث كان الإيمان هو العنوان البارز الثابت في واجهة العقل والروح، فلا فراغ فيها لغيره، مما يتصل بالكفر فكراً وشعوراً، {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ} في ما يوحي به إليهم من الإشراق والصفاء والنقاء، وفي ما يمنحهم إياه من الطمأنينة والثبات والاستقرار والعزيمة القوية الصامدة، {وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاَْنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا} فذلك هو جزاء المؤمنين الصامدين في إيمانهم، المستقيمين في طريقهم، المتقين في أعمالهم، {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} بما آمنوا به، وبما أطاعوه، {وَرَضُواْ عَنْهُ} بما أفاض عليهم من نعمه في كل وجودهم وفي كل مفردات حياتهم العملية في حركة الوجود. وهذا هو الهدف الذي يريد الله للمؤمنين أن يتابعوا السير نحوه، وهو الرضا المتبادل بينهم وبينه، فينفتحون عليه في الرضا بقضائه، ويحصلون على رضاه عنهم، بإيمانهم وتقواهم، لتكون حياتهم له ومعه في جميع المجالات.
* * *
أولئك حزب الله
{أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ} الذين يؤكِّدون انتماءهم إلى الله من خلال التزامهم بمواقع رضاه، وابتعادهم عن مواقع سخطه، وانطلاقهم في الحياة كلها على مستوى الكلمات والأفعال والعلاقات والأهداف، من منطلق الإيمان به والرفض لغيره. وهذا هو خط حزب الله الذي يقابله حزب الشيطان في ما يعنيه الانتماء إلى نهج الشيطان، والسير على خطواته، والارتباط بأهدافه. وعلى ضوء ذلك، فلا بدّ في الانتماء إلى حزب الله، كعنوانٍ من عناوين الحركة والانطلاق، من الالتزام الفكري والعملي بالإسلام، بتأكيد الخط الفاصل الذي يفصل الإنسان عن غير الإسلام، وذلك بالتدقيق في النهج والخط والحركة والنتائج، والولاية لله ورسوله وأوليائه، فذلك هو الأساس في صدق الانتماء. فلا يكفي، لتأكيد صدق الانتماء إلى حزب الله، الانتماء الى الإسلام بالمعنى البسيط الرسمي الذي يدخل به الإنسان إلى الإسلام، ذلك أن الفارق فيما بينهما، تماماً كما هو الفارق بين الإسلام والإيمان، في ما يختلف به المسلم عن المؤمن في ما أشارت به الآية الكريمة في سورة الحجرات في قوله تعالى: {قَالَتِ الاَْعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الاِْيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14].
فإذا كان الإنسان مسلماً وارتبط بخط أعداء الله في المسألة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ليقتصر دوره الإسلامي على المسألة العبادية بمعناها الساذج، لتكون النتائج النهائية لأعداء الإسلام، فهو من حزب الشيطان لا من حزب الله، لأن التحزب للشيطان لا يعني الكفر دائماً، بل قد يعني الانتساب إلى الإسلام في جانب، والالتزام بالمواقف الشيطانية في الخط العملي في جانب آخر، كما استوحيناه في ما حدثنا الله به عن المنافقين الذين هم حزب الشيطان الخاسرون.. وعلى هذا الأساس، فإن المؤمنين المتقين هم حزب الله الذين يشملهم الله بعين رعايته وعنايته {أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الذين أخذوا بأسباب الفلاح في الدنيا والآخرة، ففازوا به في الدرجات العلى عند الله سبحانه، وذلك هو الفوز العظيم.
تفسير القرآن