تفسير القرآن
الصف / من الآية 10 إلى الآية 13

الآيات 10-13
 

الآيــات

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}  (10_13).

* * *

معاني المفردات

{تِجَارَةٍ}: التجارة ـ بحسب الراغب ـ التصرف في رأس المال طلباً للربح... وليس في كلامهم ـ أي العرب ـ تاء بعدها جيم غير هذا اللفظ[1].

* * *

التجارة التي تنجي من عذاب أليم

لقد تحدثت السورة في بدايتها عن المقت الإلهي الذي ينال المؤمنين الذين يقولون ما لا يفعلون، باعتبار ذلك مظهراً من مظاهر البعد عن الإيمان في مضمونه الحي الفاعل.

ولمّا كان الإنسان بطبيعته خاضعاً في حياته العملية في ما يفعله وما لا يفعله لحسابات الربح والخسارة، ولما كان الغالب عليه التفكير بالجانب المادي الدنيوي في هذا المجال.. جاءت هذه الآيات لتؤكد لهم الربح الكبير في اتباع خط الإيمان والجهاد، ولتثير أمامهم الربح الأخروي الذي هو الربح الحقيقي، لأنه الربح الدائم الذي يمثل مسألة المصير النهائي في مسألة السعادة الخالدة، مع عدم إغفال النتائج الدنيوية المحببة إليهم. وبذلك نفهم أن الإسلام لم يبتعد عن مراعاة الجانب النفسي من حب الذات الذي قد يكون غريزة إنسانيةً في ما يستتبعه من حب المال ونحوه، بل عمل على أن يوسِّع المدى الذي تتحرك فيه هذه الغريزة على مستوى الآخرة بالإضافة إلى مستوى الدنيا.

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} الذين يفرض عليكم الإيمان أن تنفتحوا على مواقع رحمة الله في ما تؤملونه من ألطافه وفيوضات نعمائه في رحاب جنته، {هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} في ما تتحركون به من مشاريع وأوضاع وما تبذلونه من جهد كبير في سفركم وحضركم، مما يمكن أن تحصلوا فيه على رضا الله الذي ينجيكم من مواقع سخطه وعذابه، {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} وهذا هو العنصر الأساس الذي ترتكز عليه الشخصية الإسلامية، في ما تحمله من مفهوم واسع عن الكون الذي يتحرك في تدبيره بإرادة الله، وعن الحياة التي لا تستقيم إلا بدينه، في ما يريد الله من الإنسان أن يحمله من تصور شاملٍ لما حوله ولمن حوله، بحيث يكون الله محور كل شيءٍ، في ما يختزنه وعيه ووجدانه في نظرته لكل الأشياء، وعلى ضوء ذلك، فإنّ الإيمان بالله ورسوله يمثل عنوان النظرة الكونية الشاملة للإنسان المسلم بالحياة، في ما تمثله من الارتباط بالله والالتزام برسوله ورسالته.

{وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ} وذلك بأن تقدموا أموالكم في كل مواقع العطاء في موارده الخاصة والعامة، وبأن تقدموا أنفسكم بكل إمكاناتها في مجالها العملي في حركة الحياة من حولها، وبكل مواقع بذلها، حتى تكون هي الضحية الطوعية لله في مواقع رضاه، فإن ذلك وحده هو الشاهد الحي على الإخلاص لله في جميع الأمور، ولذلك كان جزاؤه عظيماً، {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}، لأن الموازنة بين ما تبذلونه من جهدٍ أو تضحية، وبين ما تحصلون عليه من النتائج الكبيرة عند الله، تؤدي بكم إلى القناعة بالفضل العظيم لما عنده. {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} فتقفون بين يديه كما لو لم يكن لكم ذنب عنده {وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} في ذلك الجو الرائع الجميل الحافل بالخضرة الحلوة والينابيع المتدفقة والجمال المبدع، {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ}حيث تعيشون هناك الاستقرار الدائم والطمأنينة الخالدة والراحة الطويلة {ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } الذي يمثل الموقع النهائي في حركة الإنسان نحو الفلاح والنجاح والحصول على الفوز بالسعادة في نهاية المطاف.

{وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا} في ما يحبه الإنسان من النتائج المباشرة لحركته الجهادية في تأكيد ذاته بالتغلب على القوى المضادة في ساحة المعركة، لأنه يشعر بحصوله على ثمرة معاناته الشديدة: {نَصْرٌ مِّن اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ}، فقد جعل الله النصر والفتح القريب خاضعاً لجهاد المجاهدين الذين يمدهم الله بقوته ويرعاهم بلطفه، ويفيض عليهم من رحمته. وربما كان المراد بالفتح القريب فتح مكة الذي كان المؤمنون ينتظرونه بلهفةٍ وشوقٍ، كما يقال، {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} لتكون البشارة هي البادرة التي يقدمها النبي(ص) بتكليفٍ من الله، فتكون قوةً لهم في ما يتحركون به من مشاريع جهاديةٍ مستقبليةٍ، على أساس ما يحصلون عليه من الثقة بالنصر والفتح القريب.

ـــــــــــــــــ

(1) مفردات الراغب، ص:69.