تفسير القرآن
الأعراف / من الآية 11 إلى الآية 18

 من الآية 11 الى الآية 18

بسم الله الرحمن الرحيم

الآيــات

{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجدِينَ* قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ* قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ* قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ* قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ* قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ} (11ـ18).

* * *

معاني المفردات

{خَلَقْنَاكُمْ}: الخلق: إحداث الشيء على تقدير تقتضيه الحكمة.

{صَوَّرْنَاكُمْ}: التصوير: جعل الشيء على صورة من الصور، والصورة بنية مقومة على هيئة ظاهرة.

{اسْجُدُواْ}: السجود أصله الإنخفاض وحقيقته وضع الجبهة على الأرض.

{فَاهْبِطْ}: الهبوط: الانحدار والسقوط.

{الصَّاغِرِينَ}: الصغار: الذلة والهوان؛ والصاغر: الذليل.

{أَنظِرْنِي}: الإنظار والإمهال والتأخير نظائر.

{يُبْعَثُونَ}: البعث: الإطلاق في الأمر، والانبعاث: الانطلاق، والبعث والحشر والنشر والجمع نظائر.

{أَغْوَيْتَنِي}: أضللتني.

{مَذْءُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ }: ذأم الشيء: عابه؛ والذّام والذّيم، أشدّ العيب.

{مَّدْحُورًا}: مطروداً. والدّحر: الدفع على وجه الهوان والإذلال.

* * *

عنصرية إبليس وراء سقوطه

وتبدأ الآيات من جديد، لتضع الإنسان أمام بداية الخلق، ليعيش التصوّر الإسلامي عن تكريم الله له، وعن شخصية إبليس في خصائصه الذاتية، وفي طريقته في التفكير، وفي مخطّطاته من أجل إغواء الإنسان وإضلاله من خلال عقدة الكبرياء المتأصلة فيه، ثم في محاولاته الناجحة في البداية، في ما قام به من إثارة نقاط الضّعف في شخصية آدم ـ حتى أخرجه وزوجه من الجنة، ثم في عودة آدم إلى الله في عملية إنابة وتوبةٍ وانطلاقة تصحيحٍ، وموقف قوّة في حركة الصراع مع إبليس، وذلك من أجل أن يعيش الإنسان الوعي لدوره المتحرك في آفاق الصراع مع الشيطان في كل مجالات حياته... فكيف عالجت هذه الآيات القصة؟

{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} بدأ الله خلق الإنسان من طين، ثم صوّره حتى تكامل خلقه إنساناً سوياً يملك الصورة الجميلة والجسم المعتدل، والأجهزة الدقيقة التي تتحرك في نظامٍ محكمٍ متوازن، فتُحَرِّك فيه العقل والإرادة، اللّذين يستطيع من خلالهما أن يحمل مسؤولية نفسه، ومسؤولية الكون من حوله. ولما كان خلقه بهذه الصورة الفريدة، كان ذلك مظهراً لقدرة الله وعظمته، فأراد الله أن يمنحه الكرامة، ويحمّله المسؤولية، ويظهر لملائكته ما في هذا المخلوق من عناصر الإبداع ومظاهر القدرة؛ {ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لأَدَمَ} تحية له، وتعظيماً لله الذي خلقه. ولم يكن ذلك سجود عبادةٍ له، لأن الله لا يرضى لخلقه أن يعبدوا غيره، فكيف يتعبّدهم بذلك؟! بل كان سجود عبادةٍ لله وتحيةٍ لآدم {فَسَجَدُواْ}. واستجاب الملائكة للأمر الإلهي، لأنهم عاشوا العبودية له كأفضل ما تكون، فليس بينهم وبين الانقياد إلا أن يصدر إليهم الأمر أو النهي، لأن ذلك هو شأن العبد مع مولاه، فلا تساؤل ولا اعتراض.

{إِلاَ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ} وكان إبليس يعيش مع الملائكة، ولكنه لم يكن منهم، بل كان من الجن؛ {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف:50] ورفض السجود، وتمرّد على الله.. وخاطبه الله بلهجة الإنكار، {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ}؟! هل هناك غموض في طبيعة الأمر، أو هناك تصور بعدم شمول الخطاب له؟ لا شيء من هذا وذاك، لأن الأمر واضح في شموله للمجتمع كله، ولكن إبليس كان يعيش في وادٍ آخر، فقد كانت عنصريته تمنعه من أن يتنازل لعنصر آخر، وكان هاجسه ذاته لا ربه، فهي كل شيء بالنسبة إليه؛ أما علاقته بالله، فإنها تخضع لعلاقته بأنانية نفسه، فإذا ابتعدت عن تأكيد ذلك منه، ابتعد عنه؛ وهكذا كان جوابه: {أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ}، فكيف يسجد الأعلى للأسفل، والأفضل للمفضول، فعنصري أقوى من عنصره وأرفع درجة؛ {خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } فأنا مخلوق من النار وهو مخلوق من الطين، والنار تفني الطين، فكيف أتواضع له؟!

وربما كان في ظن إبليس، أن هذا المنطق التحليلي لدوافع تمرده على السجود، يمكن أن ينفعه أو يشفع له عند الله، فيعفو عنه، ويقبل منه دفاعه… ولكن الله الذي ارتدى بالكبرياء رداءً لنفسه، ومنعه عن غيره، لأن كل من عداه هو مخلوق له محتقر في حاجته وفقره إليه… فمن أين يأتيهم الشعور بالكبر؟! لا سيما إذا كان التكبر على مخلوقٍ نال الكرامة من الله، مما يجعل من التكبُّر عليه تكبراً على طاعة الله وامتثال أوامره. ولهذا أصدر الله إليه الأمر بالهبوط من الجنة، {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا} لأنها لا تفسح مجالها لمن يتكبّر فيها، ويشعر بالعلو والرفعة والعصيان... {فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ} وطرده الله من الجنة ليشعره بالسقوط والذل والصغار، لأن جو الجنة يلتقي بالعبودية المطلقة لله في كل شيء. وهكذا خرج إبليس من الجنة، ولكنه لم يستسلم لمصيره، بل ظل يعيش الحقد والانتقام في نفسه.. {قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} وكان يبحث عن المنفذ الذي ينفذ منه لتحقيق غرضه. وربما عرف أنّ هناك مجالاً للحصول على بعض المطالب في ما يتعلق بالبقاء مع آدم في ظروفٍ معينةٍ وأمدٍ محدودٍ، فطلب من الله أن يمنحه الخلود في الدنيا إلى يوم القيامة، وأن يؤخر عقابه وموته.

{قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ} وكان لله حكمةٌ في ذلك، فقد أراد للإنسان أن يعيش الإرادة الحرّة في عملية الاختيار من خلال الصراع الذي يخوضه في معركة الخير والشرّ. وكان لا بد للشرّ من عامل يثير نوازعه في نفس الإنسان في مقابل نوازع الخير في نفسه وكان الشيطان العامل الذي يحقق ذلك، ليوسوس وليزيّن، وليخدع ويخادع... وهكذا التقت رغبة الشيطان بحكمة الله، فأنظره الله {إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ }، قال تعالى: {فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ*إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} [الحجر:37 ـ 38]. وهنا كان الشيطان قد أحرز لنفسه غرضها، وحصل على وعد الله ـ والله لا يخلف وعده ـ فبدأ بالإعلان عن العوامل الخبيثة الحاقدة في نفسه.

* * *

إبليس يثأر لنفسه من الإنسان

{قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي} والغواية تختزن معنى الضلال في مقابل الرشد. ولعل المراد: فبسبب إلقائك لي في الضلال، بإخراجك إياي من رحمتك، وطردي من جنتك، مما جعلني أجد نفسي في الاتجاه الواحد الذي يبتعد عن الهدى، فسأثأر لنفسي بإدخال كل هؤلاء الذين ينتسبون إلى هذا الذي طردتني من أجل موقفي منه بكل ما ملّكتني من وسائل الإضلال والغواية... {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} أي لألتزمنّ صراطك المستقيم في ما يمثله من وحيك وشرائعك، فأجلس فيه وأرصدُ كل السائرين عليه لأحوّلهم عن السير فيه، فأنحرف بهم ذات اليمين وذات الشمال، وأثير فيهم كل نوازع الشر والجريمة من خلال نقاط الضعف الكامنة في داخلهم، {ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ} فليست هناك جهة لا أملك حرية الدخول منها إلى أفكارهم ومشاعرهم وخطواتهم العملية، وعلاقاتهم البشرية، وكل أوضاعهم العامة والخاصة، لأنهم مكشوفون لي بكل آفاقهم الداخلية والخارجية؛ فلهم غرائز يمكن إثارتها، ولهم مطامع يمكن اللعب عليها، ولهم أهواء يمكن التحرك من خلالها. {وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} لأن أكثريتهم لا يصبرون على الحرمان والمعاناة والبعد عن الشهوات، ولا يواجهون المواقف بروح المسؤولية الجادة التي تحسب حساب النتائج الإيجابية أو السلبية، لما يقومون به من أعمال، وما يقفونه من مواقف؛ بل يسيرون على أساس مشاعر اللحظة الحاضرة التي يعيش معها الإنسان توتّر الغريزة، وسعار الشهوة، ونزق الانفعالات... وذلك من خلال نقاط الضعف، وبذلك يفقدون الرؤية الواضحة التي يستجيبون من خلالها لنداء الله في ما يأمر به أو ينهى عنه، في ما يمثل حالة الشكر العملي للنعمة الإلهية الواسعة التي أغدقها الله على الإنسان في أصل وجوده، وفي تفاصيله المتحركة بالخير في أكثر من اتجاه.

* * *

حزب إبليس في جهنم

ولكن الله يوجه إليه الخطاب بقوةٍ وشدّةٍ واحتقار، {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً} أي مذموماً، {مَّدْحُوراً} مطروداً بهوانٍ وإذلال {لَّمَن تَبِعَكَ} وسار على خطاك ورفض شكر النعمة، واستجاب لوساوسك وإغراءاتك... {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ} فاعملوا ما شئتم، واعمل أنت في إضلالهم وليتخبطوا في ضلالهم... فماذا بعد ذلك؟ هل تشفي غيظك، هل يحققون رغباتهم؟! إنها النار التي تجمعكم جميعاً لتذوقوا العذاب المهين.

* * *

إبليس والقياس

جاء في الدر المنثور: «أخرج أبو نعيم في الحلية والديلمي عن جعفر بن محمد عن جده أن رسول الله(ص) قال: أول من قاس أمر الدين برأيه إبليس، قال الله تعالى له: اسجد لآدم، فقال: {أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} قال جعفر: فمن قاس أمر الدين برأيه قرنه الله تعالى يوم القيامة بإبليس لأنه اتبعه بالقياس[1].

وجاء في الكافي بإسناده عن عيسى بن عبد الله القرشي «قال: دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله ـ جعفر الصادق(ع)، فقال له: يا أبا حنيفة بلغني أنك تقيس، قال: نعم. قال: لا تقس فإن أول من قاس إبليس حين قال: خلقتني من نار وخلقته من طين»[2].

وجاء في كتاب علل الشرائع: «دخل أبو حنيفة على الإمام أبي عبد الله(ع) فقال له: «يا أبا حنيفة، بلغني أنك تقيس؟ قال: نعم، قال: لا تقس فإن أول من قاس إبليس حين قال: خلقتني من نار وخلقته من طين، فقاس ما بين النار والطين، ولو قاس نورية آدم بنورية النار عرف فضل ما بين النورين وصفاء أحدهما على الآخر»[3].

لقد وقف أئمة أهل البيت موقفاً حاسماً من القياس كدليل من أدلة الأحكام الشرعية، انطلاقاً من عدم وجود أساس يقيني له في مسألة الحجية، فالقياس هو عبارة عن تسرية حكم من موضوع إلى موضوع آخر بلحاظ وجود خصوصية مشتركة بينهما، على أساس اعتبار هذه الخصوصية هي العلة للحكم الشرعي في الموضوع الأول، مما يجعل الحكم في الموضوع الثاني خاضعاً لوجود علته، ولكن الملاحظة الدقيقة، هي أن استنباط العلة ـ في أغلب الموارد ـ لا يخضع لليقين بها، بل يحصل من حالةٍ ظنية تلتقي مع احتمال الخلاف، لأن من الممكن أن تكون هناك خصوصية أخرى في الموضوع الأول هي التي أنتجت الحكم، وربما يكون لاجتماع الخصوصيات الآخرى إلى جانب الخصوصية المشتركة دخلٌ في جعل الحكم، بل ربما تكون هناك خصوصية خفية لم يدركها الباحث هي الأساس في الحكم، فيكون إسراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر حاصلاً من الظنّ الذي «لا يغني من الحق شيئاً» ولا دليل على حجيته من ناحية خاصة. وربما يذكر البعض مثالاً لابتعاد القياس عن الصواب مثال «البول» و «العرق»، فقد حكم على بول الإنسان بالنجاسة وحكم على العرق بالطهارة مع أنهما متشابهان في خروج كلٍّ منهما من داخل جسم الإنسان، فهل يحكم على العرق بالنجاسة لأجل ذلك، في الوقت الذي يفترقان بأن أحدهما أرقّ والآخر أغلظ، وأن الاجتناب عن أحدهما ـ وهو البول ـ أسهل، بينما الاجتناب عن العرق أصعب.

وإذا كان القياس متعارفاً عند الناس في بعض أمورهم، فإن السبب في ذلك هو اكتشافهم العلة الكامنة وراء الحكم العرفي، بلحاظ معرفتهم بالأسس العقلائية التي ارتكز عليها من خلال ما يعرفونه من مرتكزاتهم بشكل يقيني، ولكنهم يتوقفون في الحالات التي لا يحيطون بخصوصياتها الذاتية، وهذا ما قد نلاحظه في الأطباء الذين لا يبادرون إلى إعطاء دواء مريضٍ لمريضٍ آخر يشبهه في بعض المواصفات، لإمكان أن يكون مختلفاً عنه في صفات مرضية أخرى، مما يجعل من الدواء عنصراً ضاراً له بلحاظ تلك الخصوصية المنفردة.

وربّما كان الأساس في ذهاب أبي حنيفة للقياس هو قلة الأحاديث الصحيحة الواردة عن النبي محمد(ص) ـ كما نُقل عنه ـ مما يجعل من الواقع الفقهي واقعاً يشبه ما ذكره الأصوليون من علماء الشيعة في موضوع انسداد باب العلم والحجج الخاصة، الأمر الذي ذهب فيه بعضهم إلى حجّية الظنّ المطلق، ولكنه أمرٌ غير واقعي لورود الكثير من الأحاديث الواردة عن النبي محمد(ص) وأئمة أهل البيت الذين يتحدثون عن النبي(ص) في كل أحاديثهم، بالإضافة إلى نصوص القرآن، الأمر الذي لا يجعل هناك فراغاً فقهياً أو حاجة استنباطية يفرض اللجوء إلى القياس أو إلى الظنون الآخرى، في الوقت الذي يصعب فيه معرفة علل الأحكام الشرعية بشكل دقيق، مما يجعل من القياس وسيلةً من وسائل الابتعاد عن الحقيقة في الحكم الشرعي من خلال الظنون المتنوعة التي قد تختلف باختلاف الأشخاص.

وتبقى هناك حالةٌ واحدةٌ، وهي صورة «منصوص العلة» بأن يأتي ذكر العلة في الحديث نفسه الدالّ على الحكم الشرعي، كما إذا قال: لا تشرب الخمر لأنه مسكر، فإننا نستوحي من ظاهر الكلام علية الإسكار للحرمة، مما يجعل عنوان المسكر هو عنوان الموضوع للحرمة، لأن العلة تؤدي إلى سعة الموضوع ليشمل كل مسكر، ففي هذه الحال لا مانع من إسراء حكم الخمر في الحرمة إلى كل مسكر.

وقد شدّد أهل البيت(ع) على رفض القياس، كما شدد عليه ابن حزم الظاهري، لحماية الأحكام الشرعية من الانحراف عن خط الحقيقة التشريعية، وقد اتّبعوا جدهم رسول الله(ص)، حسب الرواية المتقدمة، باعتبار إبليس هو الذي بدأ القياس عندما اعتبر أن السبب في التكريم لا بد من أن ينطلق من قوّة العنصر، فهو الأساس في التفضيل، ولذلك اعترض على تفضيل الله لآدم قال: «أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين»، باعتبار أن النار أقوى من التراب لأنها تفنيه، ولكنه لم يلتفت إلى الخصوصيات الروحية والمعنوية المتناسبة مع الدور الذي أوكله الله لآدم، بالإضافة إلى خصائص التراب في عملية الإنتاج الزراعي وفي بناء الأبنية ونحو ذلك، وهكذا كانت غوايته منطلقة من عدم وعيه للخصائص الخفية الحقيقية التي تكمن وراء التفضيل الإلهي لآِدم.

وبكلمة واحدةٍ، إن اليقين هو الأساس الوحيد للحجيّة ولا بد لكل حجةٍ من الانتهاء إلى اليقين، حتى لو كان ذلك بلحاظ تنصيص الشارع على حجيتها باعتبار أن الأمر يرجع إليه، وأما الظن فإنه «لا يغني من الحق شيئاً»، فكيف نعتمد عليه ـ بدون دليل ـ ليكون القياس حجة!

وقد حاول أصوليو السنّة أن يستدلوا على حجيّة القياس بأدلة متنوعة من الكتاب والسنة، ولكنها لا تثبت أمام النقد العلمي.

* * *

إبليس والتكبر

جاء في الكافي عن علي بن الحسين(ع) في حديث: «وللمعاصي شعب، فأول ما عصى الله به الكبر معصية إبليس حين أبى واستكبر»[4].

إنّ قيمة هذا الحديث هي الإشارة إلى الأساس الذي دفع بإبليس إلى عصيان أمر الله في السجود لآِدم، فلم تكن المسألة مسألة إخلاصٍ في توحيد الله بحيث يمنعه من السجود لغيره، لأن السجود ليس عبادةً لآِدم وخضوعاً له، بل هو سجود لله في التعبير عن الإحساس بعظمته في خلقه، وتحية لآِدم في العناصر المميزة في ذاته. بل كانت المسألة مسألة إحساسٍ بالكبرياء الذاتي أو التفوق العنصري الذي يجعله مستغرقاً في مشاعره المعقّدة، على أساس أنه يملك من عناصر الامتياز ما لا يملكه هذا المخلوق الجديد، وذلك بالتفكير في القضية من جانب واحد وهو جانب العنصر الناري، الذي هو أقوى من العنصر الترابي، والغفلة عن العناصر الآخرى المميزة التي تتمثل في خلق آدم، حتى أن الترابية إذا كانت أضعف من النارية من بعض الجهات، فإنها تتميز بخصائص كثيرة في إغناء الحياة في عملية الخصب والنموّ والعمران ونحو ذلك؛ وعدم الالتفات إلى أن الله لم يجمع في أيّ موجود كل الخصائص، بل جعل لكل موجود خصائص معيّنةً تختلف عما جعله في الموجود الآخر، لأن تنوع الموجودات في خصائصها وعناصرها هو الذي يمنح النظام الكوني توازنه وتكامله من خلال اجتماع العناصر المتنوّعة في داخله.

وفي ضوء ذلك، نعرف أن الأنانية لا تمثل حالة وعي في الإنسان بلحاظ استغراقه في أعماق الذات، بل تمثّل حالة غفلة إنسانية عن سرّ التنوّع في عناصر الوجود، وعن اختلاف الجوانب في خصائص الذات، وعن البعد الفكري عن فهم الآخر في مميزاته الوجودية، تماماً كمن يقضي عمره في زاوية مغلقةٍ يستغرق فيها فيخيّل إليه أن العالم يتمثل في هذه الزاوية، لأنها هي التي عانت فيها تجربته الذاتية.

وهذه هي مشكلة الأنانيين الذين لا ينظرون إلى الناس الآخرين في فضائلهم المميزة، ولا ينظرون إلى أنفسهم في سلبياتهم الذاتية ولا يدخلون في مقارنةٍ واقعيةٍ إنسانيةٍ بين عناصرهم الشخصية وعناصر الآخرين، وبذلك تتحوّل الأنانية إلى كبرياء لتتحول الكبرياء إلى عقدةٍ في الذات توحي باتخاذ المواقف العدوانية ضد الآخر، لا سيّما إذا استطاع أن يبلغ الدرجات العليا في الحياة، وأن يتغلب عليه في الحصول على امتيازات واقعية في الواقع الإنساني.

وهذا هو الذي تمثله إبليس في موقفه من آدم وبنيه، فقد استفاد من حرية الحركة التي منحه الله إياها في التجوال في الجنة التي كان يقيم فيها آدم وزوجه، ومن نقاط الضعف البشري في شخصيته، ومن فقدانه للتجربة المتحركة في معرفة إبليس الذي لم يتيسّر لآِدم التعرف عليه بخصائصه الشريرة عن قرب.. وهكذا عمل على أن يرسم خطته في إبعاده عن رضوان الله وقربه منه، وذلك بالعمل على استغلال نهي الله لآدم وزوجه عن أكلهما من الشجرة لحكمة منه في ذلك، مما لم يثر فيهما أيّ ردِّ فعلٍ سلبيٍّ، فقد تقبلاه بكل رضى وطواعيةٍ وخضوعٍ وإذعان.وبدأ إبليس خطّته، فقد أقسم لهما إنه من الناصحين، ليبعث الثقة به في وجدانهما، لأنه ليس من الطبيعي أن يقسم بالله كاذباً لا سيّما أنهما كانا لايعرفان الكذب في التجربة الواقعية، ثم أنار في داخلهما أحلام الخلود والتحوّل إلى الشخصية الملائكية التي ربما كانا يملكان صورة جيّدة لها بحيث تنفتح عليها أحلامهما، وهكذا أخرجهما من الجنة إلى الأرض.

* * *

لماذا أمهل الله إبليس؟

وفكّر أن لا يقف عند هذا الحدّ، فإن هناك فرصةً جديدةً لآِدم وذريته أن يدخلوا الجنة إذا اتبعوا هدى الله، ولذلك فقد طلب من الله مُهلةً انتظاريةً يجمّد الله فيها عقوبته له في نطاقها، ومنحه الله هذه الفرصة المنشودة، إمّا تكريماً لعبادته التاريخية عندما كان في مجتمع الملائكة كما لو كان أحدهم، وإما ابتلاءً للإنسان واختباراً لحركة عقله وإرادته في الطاعة الإرادية القائمة على وقوفه أمام خياري الخير والشر، ليكون لإبليس، الشيطان، دوره في الوسوسة الداخلية المحركة للغرائز في اتجاه قلق الشرّ، وحركته في الإيحاء في إثارة الأحلام الخيالية والشهوات الجامحة، وتزيين الصورة القبيحة، وتقبيح الصورة الحسنة، وإطلاق الوعود المعسولة، ونصب الحبائل الشيطانية في طريق الهدى من أجل أن يسقطوا فيها فلا يمتدوا في مسيرتهم الإيمانية.. وهكذا أعلن خطته الإضلالية في حصار الإنسان بشهواته وأمانيه وحبائله وخدعه، ليحيط به من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وشماله، ليمنعه من شكر الله قولاً وعملاً ومن السير في الخط المستقيم، ليبعده عن الجنة ويدخله النار، ليرضي بذلك حقده وعداوته ضد هذا الذي كرّمه الله عليه، ليسقط هذه الكرامة من ذريته، ليقعوا تحت تأثير غضب الله باستسلامهم لغروره وخداعه. ولكن الله يحذّر بني آدم أن لا يتّبعوا خطوات الشيطان حتى لا يخرجهم من الجنة كما أخرج أبويهم من الجنة، ويؤكد له أن عباده الصالحين الذين يتحركون من موقع عقولهم ووعيهم الإيماني وإرادتهم التقية، ليس له سلطان عليهم إلا أولئك الذين لهم قلوب لا يعقلون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها، ولهم نقاط قوة لا يحركونها في حياتهم العملية، مما يترك تأثيره على أقوالهم وأفعالهم، فينحرفون عن الخط المستقيم، فهؤلاء لم يتحركوا في خط الانحراف من أجل سلطانه عليهم، بل من جهة أنهم أهملوا سلطان إنسانيتهم على حركتهم، واستضعفوا أنفسهم، وخضعوا لاستكباره في أجواء الغفلة، وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.

وهكذا كان هذا التكبّر الشيطاني على الله بالتمرد على أوامره ونواهيه، عِبر التكبر على آدم بامتناعه من السجود له، سبباً لكل هذه العدوانية على آدم وذريته، وكل هذه العقدة الحاقدة في شخصيته.

* * *

لا سبيل للشيطان إلى إرادة الإنسان

ولم تكن مشكلة البشر من خلال وجوده واستمراره وقدرته على الوسوسة والإثارة والتزيين والخداع، ممّا يقلب فيه المقاييس ويغير الصورة ويثير الأجواء القلقة في الإدراك الإنساني بل المشكلة لديهم من خلال إهمالهم لقدراتهم الفكرية والعقلية وأصالتهم الإنسانية، وقاعدتهم الإيمانية، وإرادتهم القوية، لأن الشيطان لا يملك أن يشلّ إرادة الإنسان، وأن يعطّل قدرته فالإنسان الذي خلقه الله ضعيفاً لا يعيش الضعف قضاءً محتوماً، وقدراً حاسماً، بل يملك أن يحوّل الضعف إلى قوة ببركة الوسائل المادية والغيبية التي حرّكها الله في حياته، فاذا أهمل ذلك، فقد اختار لنفسه الهلاك بإرادته واختياره، لا بسبب ضغط الشيطان عليه، وهذا هو الذي عبّرت عنه الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [إبراهيم:22].

فنحن نلاحظ في هذه الآية أن الشيطان يتخفف من عبء المسؤولية التي يحمّلها الخاطئون له ليذكِّرهم أن دوره ينتهي عند دعوته إليهم بوسائله المتنوعة، ولا يتعداه إلى السيطرة عليهم، فعليهم أن يتحملوا مسؤولية أنفسهم في الانحراف، لأن الله وعدهم وعد الحق، فلماذا لم يستجيبوا له ولم يثقوا به، وانه وعدهم فأخلفهم، وقد عرفهم الله صفة الشيطان في ذلك، فلماذا استجابوا له؟!

وهكذا نجد الشيطان ـ في هذا الحوار النهائي بينه وبين الإنسان الخاطىء ـ في صورة المخلوق الذي يواجه مصيره من دون أن يجد أحداً ممن اتبعه في ضلاله ناصراً له، كما يواجه أولئك مصيرهم من دون أن يملك نصرتهم.. لينكمش في النهاية المهلكة في زاوية من زوايا جهنم في ساحة الذل والهوان، فيسقط كبرياؤه وتتمزق أنانيته، ويبقى آدم والصالحون من ذريته في عزة الإيمان والإخلاص والطاعة لله، بعد أن حرّكوا إنسانيتهم في اتجاه الخير المنفتح دائماً عليه ـ تعالى ـ.

* * *

لينتبه المتكبّرون في الأرض

وهذا ما ينبغي للمتكبرين أن يدرسوه ويعرفوه، وما يجدر بالأنانيين أن يواجهوه، ليصلوا إلى النتيجة الحاسمة، وهي أنّ التكبر قد يمنح المتكبّر فرصةً في ممارسة عقدة كبريائه في الضغط على المستضعفين، وأن الأنانية قد تفتح لصاحبها بعض النوافذ على مواقع العلوّ في الحياة، ولكن هذا وذاك سوف يواجهان الحقيقة بالسقوط الإنساني في الدنيا وبالعذاب الأبدي في الآخرة، ولعل مصير المتكبر الأكبر والأناني الأعظم، إبليس، هو الشاهد الحي على ذلك كله، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8].

* * *

إبليس في إحاطته بالإنسان

ذكر صاحب تفسير الميزان في تفسير قوله تعالى في ما قصّه من كلام أبليس إن المراد من قوله: {مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} «ما يستقبلهم من الحوادث أيام حياتهم مما تتعلق به الامال والأماني من الأمور التي تهواها النفوس وتستلذها الطباع، ومما يكرهه الإنسان ويخاف نزوله به، كالفقر يخاف منه لو أنفق المال في سبيل الله، أو ذم الناس ولومهم لو ورد سبيلاً من سبل الخير والثواب.

والمراد بخلفهم ناحية الأولاد والأعقاب، فللإنسان فيمن يخلفه بعده من الأولاد آمال وآمانٍ ومخاوف ومكاره، فانه يخيّل إليه أنه يبقى ببقائهم فيسرّه ما يسرّهم، ويسوؤه ما يسوؤهم، فيجمع المال من حلاله وحرامه لأجلهم، ويعدّ لهم ما استطاع من قوة، فيهلك نفسه في سبيل حياتهم.

والمراد باليمين ـ وهو الجانب القوي الميمون من الإنسان ـ ناحية سعادتهم ـ وهو الدين ـ وإتيانه من جانب اليمين، أن يزيّن لهم المبالغة في بعض الأمور الدينية، والتكلف بما لم يأمرهم به الله، وهو الذي يسميه الله تعالى باتباع خطوات الشيطان.

والمراد بالشمال خلاف اليمين، وإتيانه منه أن يزين لهم الفحشاء والمنكر ويدعوهم إلى ارتكاب المعاصي واقتراف الذنوب واتّباع الأهواء»[5].

وجاء في مجمع البيان حديث مروي عن الإمام أبي جعفر الباقر(ع) قال: {ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} معناه أهوّن عليهم أمر الآخرة {ومِنْ خَلْفِهِمْ} آمرهم بجمع الأموال والبخل بها عن الحقوق لتبقى لورثتهم {وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ} أفسد عليهم أمر دينهم بتزيين الضلالة وتحسين الشبهة {وَعَن شَمَآئِلِهِمْ} بتحبيب اللذات إليهم وتغليب الشهوات على قلوبهم. وإنما دخلت (من) في القدّام والخلف، و (عن) في اليمين والشمال، لأن في القدّام والخلف معنى طلب النهاية، وفي اليمين والشمال الانحراف عن الجهة[6].

ونلاحظ على ذلك، أن الظاهر من الآية أنها واردة في مقام ضرب المثل بحال العدو الذي يحاصر عدوه من جميع الجهات، فلا يملك الهروب منه لإحاطته به من جميع جوانبه، وليست في مقام بيان تفاصيل الخطط الشيطانية وتحديد عمل الشيطان في كل جهة.

ولكن لا مانع من أن تكون هذه التفاصيل بمثابة المصاديق المتصورة في هذا الجانب أو ذاك، أو بمثابة الاستيحاء من الآية، لأن اعتبارها من المعنى لا يخلو من خفاء، فإنّ بعض الأمور المذكورة تمثّل نتائج العمل، لا العمل نفسه الذي يتدخل فيه إبليس، والله العالم.

وجاء في تفسير الكشاف للزمخشري: «فإن قلت: كيف قيل: {مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ} بحرف الابتداء و {وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ} بحرف المجاورة؟ قلت: المفعول فيه عُدّي إليه الفعل نحو تعديته إلى المفعول به، فكما اختلفت حروف التعدية في ذاك اختلفت في هذا، وكانت لغة تؤخذ ولا تقاس، وإنما يفتش عن صحة موقعها فقط.

فلما سمعناهم يقولون: جلس عن يمينه وعلى يمينه، وعن شماله وعلى شماله، قلنا: معنى عن يمينه أنه تمكّن من جهة اليمين تمكّن المستعلي من المستعلى عليه، ومعنى عن يمينه أنه جلس متجافياً عن صاحب اليمين منحرفاً عنه غير ملاصق له، ثم كثر حتى استُعمل في المتجافي وغيره، كما ذكرنا في (تعال) ونحوه عن المفعول به قولهم: رميت عن القوس، وعلى القوس، ومن القوس، لأن السهم يبعد عنها، ويستعليها إذا وُضع على كبدها للرمي، ويُبتدأ الرمي منها، وكذلك قالوا: جلس بين يديه وخلفه بمعنى فيه لأنهما ظرفان للفعل، ومن بين يديه ومن خلفه، لأن الفعل يقع في بعض الجهتين، كما تقول: جئته من الليل، تريد بعض الليل»[7].

ـــــــــــــــــــ

    السيوطي، جلال الدين، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، دار الفكر، بيروت ـ لبنان، 1993م، 1414هـ، ج:3، ص:425.
    الكليني، الكافي، ج:1، ص:58، رواية:20.
    الكافي، ج:1، ص:58، رواية:20.
    الكافي، ج:2، ص:316، رواية:8.
    تفسير الميزان، ج:8، ص:32 ـ 33.
    مجمع البيان، ج:4، ص:623.
    تفسير الكشاف، ج:2، ص:71.