تفسير القرآن
الأعراف / من الآية 94 إلى الآية 95

 من الآية 94 الى الآية 95
 

بسم الله الرحمن الرحيم

الآيتـان

{وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَآءِ وَالضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ* ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ ءَابَاءَنَا الضَّرَّآءُ وَالسَّرَّآءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ}(94ـ95).

* * *

معاني المفردات

{بِالْبَأْسَآءِ}: بالشدّة.

{وَالضَّرَّآءِ}: ما يضرّ الإنسان مادّياً أو أدبياً.

{يَضَّرَّعُونَ}: يخضعون.

{عَفَواْ}: العفو: الترك.

{بَغْتَةً}: فجأةً، وهي الأخذ على غرّة من غير تقدمةٍ تؤذن بالنّازلة.

* * *

سنّة الله في أهل القرى

وتلك هي سنة الله في الجماعات التي يعيش بينهم الأنبياء، فإنّ الله يهيّىء لهم الأجواء التي تفتح قلوبهم عليه، وترجعهم إليه، فقد يمرّ زمنٌ طويلٌ يعيش فيه الناس الشدائد والأهوال والعوامل المضرّة بأبدانهم وأموالهم تحت ضغط الظروف القاسية التي تتحرك أسبابها بإرادة الله، ليلجأوا إليه، وليتضرّعوا فيطلبوا منه الخلاص، ليتحقّق من خلال ذلك الانفتاح على الإيمان وعلى خطّ الرسالات، ثم يبدِّل الله الشدة بالرخاء، والسيئة بالحسنة، والضرّاء بالسرّاء، حتى يستسلم الناس في إغفاءة الغفلة لحالة الاسترخاء المريح، فيعودون إلى شهواتهم ولذاتهم يعبّون منها ما يشاؤون، بعيداً عن كل مسؤوليّة، وعندما تذكرهم بالتاريخ القريب الذي عاشوا فيه الآلام وواجهوا فيه الأهوال، يبتعدون عن وحي العبرة فيه وحركة الموعظة في مضمونه، ليقولوا إنها سنّة الطبيعة، وحركة الحياة، من دون أن يكون للغيب دخلٌ فيه؛ فقد عاش آباؤنا الجو نفسه الذي نعيشه، فمستهم الضرّاء حيناً والسرّاء حيناً آخر، وتلك هي طبيعة الحياة؛ فلماذا نحمّلها أكثر مما تتحمل، ونحاول أن ننفذ منها إلى أجواء الغيب وقضايا الكفر والإيمان، فليس للغيب أي دخل في ذلك من قريبٍ أو من بعيد؟!

ولكن الله لا يغفر لهم هذا المنطق، فقد يكون صحيحاً أن قضية الشدّة والرخاء هي من سنة الحياة، ولكنها السنّة التي خلقها الله في نطاق الكون، ليسير على قاعدةٍ ثابتةٍ حكيمةٍ. وقد يهيّىء الله الظروف التي تثيرها سننه، من أجل أن يثير وضعاً معيّناً هنا ووضعاً معيّناً هناك، ليكون ذلك امتحاناً للإنسان في أجواء الإيمان والكفر، وليتحرّك الإنسان وقت الضيق ليبتهل إلى الله في رفع ذلك عنه، وليشعر ـ بعد الفرج ـ بنعمة الله عليه، ليكون الله هو الأساس في حالتي البلاء والعافية، ليشكر ولا يكفر. ولهذا فقد غضب الله على هؤلاء، لأنهم استكبروا على الله، واستخفّوا بالأنبياء، وكذّبوا الرسالات، فأخذهم الله فجأة بشكل غير متوقع، وهم لا يشعرون.

وهذا ما ينبغي للإنسان أن يلتفت إليه، فيأخذ من كل ظاهرةٍ من ظواهر الحياة التي تمرّ به من بلاءٍ وعافيةٍ درساً ينفتح به على الله، فيعيش معه حالة التضرُّع والابتهال والدعاء، ويعيش في مجالٍ آخر حالة الشكر والطاعة والرضى، فيبقى مع الله في كل شيء، في جميع الظروف والأحوال، لأنّ ذلك هو المعنى العميق للإيمان في نفسه، في ما يتحرك به الإيمان من مشاعر ومواقف في حياة الإنسان.