تفسير القرآن
الأعراف / من الآية 96 إلى الآية 100

 من الآية 96 الى الآية 100
 

بسم الله الرحمن الرحيم

الآيات

{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَآءِ وَالأرضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ* أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ* أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ* أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ* أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَآ أَن لَّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ}(96ـ100).

* * *

معاني المفردات

{بَرَكَاتٍ}: خيرات كثيرة ونامية.

{بَأْسُنَا}: عذابنا.

{بَيَاتاً}: وقت مبيتهم، وهو الليل.

{ضُحًى}: وقت انبساط الشمس.

* * *

التقوى مفتاح بركات السماوات والأرض

{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُواْ وَاتَّقَوْاْ} فانفتحوا على الله في مشاعرهم وأفكارهم، وانفتحوا على الحياة بتطلّعاتهم وغاياتهم، وانطلقوا مع الناس الآخرين في علاقاتهم ومعاملاتهم، وعرفوا الإيمان كمنهجٍ للفكر والعمل، والتزموا بالخطّ المستقيم الذي يريده الله ويرضاه ويرضى عمّن سار عليه في ما تعطيه التقوى من معنى الانضباط والالتزام. {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَآءِ وَالأرضِ} في ما يثيره الإيمان، وتتحرك به التقوى من البركات في انطلاقة الخير من فكر الإنسان وروحه وعمله، فتنمو الطاقات، وتتحرّك بالعطاء، وتنطلق بالخير، وتتحول الحياة ـ من خلال ذلك ـ إلى حركةٍ مسؤولةٍ في اتجاه الصلاح والإصلاح، وبذلك تتحرك بركات الأرض والسماء إلى نهر يتدفّق بكل ما يصلح الحياة والإنسان؛ لأن الإيمان والتقوى يعمّقان في الذات معنى المسؤولية التي تبتعد عن العبث والفساد والأنانية، فلا يبقى هناك إلا ما ينفع الناس، وبذلك تكون علاقة الإيمان والتقوى بالبركات علاقةً ترتبط بينابيع الخير التي يفجّرها عقل الإنسان وروحه وإرادته، في حركة المواقف والعلاقات والأعمال في الحياة. ويبقى للغيب دوره في هذا كله؛ فلله ألطافٌ خفيّةٌ من حيث لا نعرف، وله أرزاقٌ ونعم كثيرة يغدقها علينا من حيث لا نشعر. وهي أمورٌ لا تخضع لما نعرفه من قوانين الحياة العادية، بل هي غيبٌ ننتظره كلما أحسسنا بالرضى من الله ينساب في أعماقنا لطفاً وبركةً وإيماناً.

{وَلَـكِن كَذَّبُواْ} وابتعدوا عن خطِّ الخير والصلاح، وارتبطوا بالخطّ الشيطانيّ الذي يوحي بالشرّ والفساد، وتحوّلت الحياة عندهم إلى فرصة للّهو والعبث والاسترخاء في أجواء الكسل والراحة، فانفصلوا ـ بذلك ـ عن أجواء المسؤولية المنفتحة على رضى الله، فكان من نتائج ذلك أن ابتعد الناس عن الآفاق التي توحي لهم بروح الحق والعدل والسلام، فحقّ عليهم غضب الله وعذابه، {فَأَخَذْنَـهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } في ما يستحقونه من عقاب الله، بسبب عصيانهم أوامره ونواهيه، وفي ما تنتجه أعمالهم ومواقفهم من نتائج سلبيّةٍ على الأوضاع العامّة في حياتهم، على أساس ارتباط النتائج بمقدّماتها الطبيعيّة. وبهذا نفهم ارتباط الأخذ الإلهي بالكسب السلبي للإنسان ـ في مواقف المعصية ـ بجانب الاستحقاق من جهة، وبطبيعة الأشياء من جهةٍ أخرى فيلتقي فيه الجانب الغيبي بالجانب المادّي من الحياة.

* * *

لا مأمن للخاسرين من مكر الله

{أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتاً} وهو وقت المبيت في الليل {وَهُمْ نَآئِمُونَ} كيف ينامون في إحساس بالطمأنينة والأمن، وهم يعرفون أنّ الله قد ينزل عذابه في أيّ وقتٍ من الأوقات كما حدث لجماعاتٍ أخرى من أمثالهم في الماضي؟ {أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ}؟ فكيف يستسلمون للّعب في وقت الضحى، ولا يخافون أن ينزل عليهم عذابه في ذلك الوقت؟ أيّ أساس للأمن هنا وهناك، في ما يشعر به هؤلاء الذين واجهوا الله بالكفر والتمرد والمعصية؟

{أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللَّهِ} في ما يدبّره ويقضيه ويقدّره ضدّ هؤلاء الذين عاشوا الكبرياء والخيلاء والشعور بالقدرة المطلقة في ما يمكرون ويخططون من خطط الاحتيال، وكيف يغفلون عن إحاطة الله بهم من كل جانب، ويأمنون مكره؟ {فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}الذين لا يعيشون الخوف منه، ولا يستعدّون للتراجع عن المواقف التي تثير ذلك كله، فيخسرون دنياهم وآخرتهم. {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَآ} أفلم يتبين لهم من خلال دراستهم تاريخ الأمم التي سبقتهم، وذاقت نتائج أعمالها وذنوبها، {أَن لَّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} كما أصبنا أولئك في ما أنزلناه عليهم من العذاب بسبب ذنوبهم؟! ولكن الإنسان الذي يستسلم لشهواته وملذاته، ويستغرق في دائرة مصالحه الذاتية، ويعيش الحياة كفرصةٍ للّهو والعبث والاسترخاء، وينسى دوره في الحياة كإنسانٍ مسؤول، سوف يعيش الغفلة التي تغلق قلبه وعقله وحياته عن الله، وبذلك تتحوّل كلها إلى مناطق لا تدخلها موعظة، ولا تحركها نصيحة. {وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} فنختم عليها من خلال ما فعلوه، {فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ}.