من الآية 146 الى الآية 147
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيـتـان
{سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآياتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ* وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآياتِنَا وَلِقَآءِ الآخرةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}(146ـ147).
* * *
معاني المفردات
{يَتَكَبَّرُونَ}: كل من لا يخضع للحقّ فقد تكبّر عليه.
{الرُّشْدِ}: سلوك طريق الحق. وضده الغيّ وهو سلوك طريق الضلال.
{حَبِطَتْ}: الحبوط: سقوط العمل حتى يصير بمنزلة ما لم يعمل.
* * *
واقع المستكبرين في الأرض ومصيرهم
وهذه صورة أخرى لبعض النماذج الإنسانية، من الجاحدين لآيات الله، السائرين في طريق الضلال، وهي صورةٌ حيَّةٌ متحركةٌ في أكثر من اتجاه، وفي أكثر من مجتمع، وقد أراد الله تقديمها إلينا لنستوحي منها كيف تكون الغفلة عن الله وعن آياته سبباً في ضلال الإنسان وهلاكه ووصوله إلى الدرك الأسفل من الانحطاط والسقوط، وفي بعده عن رحمة الله وهدايته.
{سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}، فأتركهم ليسيروا على هواهم، في ما يريدون وما لا يريدون، فلا أمنحهم لطفاً من ألطافي التي أمدُّ بها المؤمنين، عندما تنحرف بهم الطريق عن غير قصدٍ واختيارٍ، فأهديهم بذلك إلى الصراط المستقيم، لأنهم عاشوا الحياة من أجل السير في طريق الهداية. أمّا هؤلاء فإنهم لم يريدوا الاهتداء بما أنزلت إليهم من هدى الوحي والرسالة، ولم يحركوا طاقاتهم الذاتية في هذا الاتجاه؛ فحذّرتهم فلم يحذروا، وخوَّفتهم فلم يخافوا، وأنذرتهم فلم يذعنوا، فسأتركهم لما اختاروه، وسأصرفهم عن آياتي من خلال ذلك. {الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}، فهم يتحرّكون من موقع العقدة الذاتية المرَضِيّة التي تشعرهم بالاستعلاء والكبرياء، فتوحي لهم بأنهم أعظم من أن يذعنوا للفكر الذي يأتيهم من خارج ذواتهم، وأكبر من أن يخضعوا لإنسان ما ـ حتى لو كان نبيّاً ـ وتتعاظم عندهم العقدة، لتمنعهم من الاستسلام لأمر الله والإيمان بآياته، دون أن يكون لهم أيّ حقٍّ أو أيّة حجةٍ في ذلك كلّه، لأنه لا مجال للكبرياء إلا لله، وكل من هو غيره مخلوقٌ حقيرٌ لا يملك امتيازاً على غيره إلا بالعلم والتقوى، وهما الصفتان اللتان توحيان بالتواضع وتمنعان عن التكبّر.
{وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا}، لأن العقدة تمنعهم عن الانطلاق في أجواء الإيمان الفكرية أو الروحية من أجل أن يفكّروا ويتعرّفوا السبيل الحق للإيمان. {وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً}، لأنهم لا يصدرون في ما يسيرون فيه من طرق، عن دراسة النتائج الإيجابية والسلبية على مستوى المصير، في ما يتمثل فيه من رضا الله وسخطه على أساس قضايا الكفر والضلال، بل يصدرون في ذلك كله عن ملاءمة ذلك لهوى أنفسهم وعدم ملاءمته لها، من دون فرقٍ بين الرشد والغيّ. { ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآياتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ} فضلّوا سواء السبيل. {وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآياتِنَا وَلِقَآءِ الآخرةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} وسقطت عن الاعتبار، لأنها لم ترتكز على قاعدةٍ ثابتةٍ من فكرٍ ووعيٍ وإيمان. {هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }، وتلك هي العدالة الإلهية في ما يثيب الله أو يعاقب، وفي ما يعطي أو يمنع، فلا نجاة إلا بعمل، ولا هلاك إلا بعمل.
تفسير القرآن