الآية 159
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيـة
{وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}(159).
* * *
صفة الجماعة التي تعيش الإيمان في حياتها
لم يكن قوم موسى جميعاً ضالين في ما يفكرون به من الباطل، وما ينطلقون به من الظلم، بل كانوا فرقتين، فللباطل فرقةٌ جاحدةٌ كافرةٌ، وللحقّ فرقةٌ مؤمنةٌ مستقيمة، وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة: {وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ}، والأمة هنا ـ وفي أكثر من آية قرآنية ـ يراد بها الجماعة القليلة أو الكثيرة التي تلتقي عند فكر واحدٍ، أو هدفٍ واحدٍ... {يَهْدُونَ بِالْحَقِّ} فيحملون الدعوة للحقّ في رسالات الله رسالةً يبشرون بها وينذرون، من أجل هداية الناس.
{وَبِهِ يَعْدِلُونَ} أي وبالحق يقيمون العدل في ما يحكمون ويمارسون من علاقات ومعاملاتٍ وأوضاعٍ متنوّعةٍ تتصل بالحياة العامة والخاصة... وتلك هي صفة كل جماعةٍ تعيش الإيمان في حياة أفرادها، كرسالةٍ وقضيةٍ ممتدّة في كل النشاطات الإنسانية، فلا يجمّدونه في ذواتهم، ولا يتهرّبون من مسؤولياته، بل يعيشون الحياة كلها من خلاله. وقد أكثر المفسرون الحديث عن شخصية هؤلاء القوم، هل كانوا معاصرين لموسى(ع) أم أنهم متأخرون عن زمانه؟ ونحن لا نجد كبير فائدةٍ في تحديد ذلك، لأننا لا نبحث التاريخ في القرآن كحوادث تفصيلية، ولكننا نبحث الفكرة والخط والعبرة، ولذلك، فنحن نجمل ما أراد القرآن إجماله ونفصّل ما يريد تفصيله.
ونريد أن نشير إلى نقطةٍ أثارها صاحب تفسير الميزان، في محاولة استيحاء مدلول الآية في تعيين هؤلاء القوم بالأنبياء والأئمة الذين جاءوا من بعد موسى، وذلك لأن الله وصفهم في كلامه «بالهداية كقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24] وغيره من الآيات، وذلك أن الآية، أعني قوله: {أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}، لو حملت على حقيقة معناها من الهداية بالحق والعدل بالحق، لم يتيسر لغير النبي والإمام أن يتلبّس بذلك»[1].
إننا نعلّق على ذلك، بأن وصف هؤلاء القوم بأنهم {يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } لا يفرض العصمة في كل أقوالهم وأفعالهم، فلا يقعون في الخطأ في شيءٍ من ذلك، بل يكفي في صدق هذا الوصف أن يكون الحقّ هو المنهج الذي يسيرون عليه، والقاعدة التي ينطلقون منها في مسيرة الهداية والعدل، بعيداً عن كل التفاصيل التي يمكن أن يقع الخطأ في تطبيقاتها العملية، إذ لا مانع من القول بأن فلاناً يهدي بالحقّ ويحكم بالعدل، إذا كان ينطلق في هدايته وحكمه من شريعة الحقّ والعدل، ولذلك فإننا لا نوافقه على هذه الاستفادة أو الاستيحاء، مع الإشارة إلى ملاحظتنا السابقة، بأن الحديث في تحديد الموضوع غير مهم.
ـــــــــــــــ
(1) تفسير الميزان، ج:8، ص:290 ـ 291.
تفسير القرآن