تفسير القرآن
الأعراف / من الآية 160 إلى الآية 163

 من الآية 160 الى الآية 163
 

بسم الله الرحمن الرحيم

الآيــات

{وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ* وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَـذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ* فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ* وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}(160ـ163).

* * *

معاني المفردات

{وَقَطَّعْنَاهُمُ}: صيّرناهم قطعاً وفرقاً.

{أَسْبَاطًا}: جمع سبط، والسِّبط في لغة بني إسرائيل هو القوم أو القبيلة.

{أُمَمًا}: جمع أمة، ويراد بها الجماعة.

{اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ}: طلبوا منه الماء للسقيا.

{فَانبَجَسَتْ}: انفجرت.

{الْمَنَّ}: قيل هو شيء كالطل فيه حلاوة يسقط على الشجر.

{وَالسَّلْوَى}: طائر.

{يَعْدُونَ}: يظلمون، وأصله مجاوزة الحدّ.

{حِيتَانُهُمْ}: حيتان: جمع حوت، وأكثر ما يسمي العرب الحيتان والنينان.

{شُرَّعًا}: الشرع أصله الظهور، ومنه الشرعة والشريعة، وهو الظاهر المستقيم من المذاهب.

* * *

قوم موسى يتوزعون على اثنتي عشرة فرقة

ويتابع القرآن الحديث عن تفاصيل أوضاع قوم موسى، في ما أنعم الله عليهم من نعمه وما واجهوه به من حجودٍ ونكرانٍ... {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا} أي اثنتي عشرة قبيلة. {أُمَمًا} فقد تحوّلوا إلى جماعاتٍ وقبائل، لكل واحدةٍ منها رئيس وتقاليد وموقع، وعاشوا في بيئةٍ قلّ فيها الماء أو انعدم، فطلبوا إلى موسى أن يسقيهم الماء، لأنهم عرفوا ـ من خلال تجاربهم معه ـ أنه يملك من الله كرامةً تتيح له الحصول على ما يريده، استجابةً لدعائه، وتأييداً لموقعه.

{وَأَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ}، أي انفجرت، {مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ}، لئلاّ يختلفوا فيما بينهم عند توزيع الماء عليهم، لأن الله يريد لهم الخير ليشربوا من دون مشاكل ومتاعب. {وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} واشكروا الله على ذلك بالعمل بما يرضيه والابتعاد عما يسخطه. ولكنهم كفروا وتمرَّدوا وانحرفوا عن طاعة الله، فعاقبهم على ذلك في الدنيا والآخرة، جزاءً على ما فعلوه. {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}. وقد تقدّم الحديث عن بعض تفاصيل هذه الآية، لدى تفسيرنا الآية 57 من سورة البقرة، كما وقد تم الحديث عن الآيتين [161 ـ 162] {وَإِذْ قِيلَ..يَظْلِمُونَ} في تفسير الآيتين [58 ـ 59] من سورة البقرة[1]، لأنهما تكريرٌ لهما مع بعض الفروق البسيطة جداً.

* * *

الله يكشف تمرد بني إسرائيل

{وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ}. الضمير يعود إلى اليهود الذين كانوا في المدينة، فقد أراد الله من نبيّه أن يسألهم عن حال أهل هذه القرية التي كانت واقعة على ساحل البحر. {إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ} أي يتجاوزون أمر الله في الامتناع عن الصيد في يوم السبت {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا} أي ظاهرة على وجه الماء، فلا يملكون أنفسهم من الإقبال على صيدها طمعاً في الحصول عليها. {وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ} أي عندما لا يكون يوم السبت، ويكون الصيد مباحاً لهم، فإن الحيتان لا تأتيهم. {كَذَلِكَ نَبْلُوهُم} ونختبرهم بهذا التكليف الصعب عقوبةً لهم {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}. فقد أراد الله أن يظهر حالهم وتمرّدهم عليه، فأرسل إليهم السمك في اليوم الذي حرّم عليهم فيه الصيد، وأمسكه عنهم في اليوم الذي أباحه لهم. ويقال: إن بعضهم قد توصَّل إلى حيلةٍ معيّنةٍ لتجاوز هذا النهي بطريقة غير مباشرة، فحفروا أخاديد ومسارب تتصل بالماء تنفذ الحيتان منها إلى الأخاديد، ولا تستطيع الخروج، فكانوا يأخذونها يوم الأحد ويقولون: نحن نصطاد يوم الأحد لا يوم السبت، فأنكر عليهم جماعة منهم وزجروهم عن هذا الاحتيال والتلاعب بالدين، وحذّروهم من بأس الله وعذابه، فلم يتّعظوا.

ـــــــــــــــ

(1) للمراجعة: الحلقة الثانية من كتاب "من وحي القرآن".