تفسير القرآن
التغابن / من الآية 12 إلى الآية 13

 الآيات 12-13
 

الآيتـان

{وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ فَإِن تَولَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ* اللَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (12ـ13).

* * *

إطاعة الله والرسول

وهذا هو الخطاب الذي يوجهه الله إلى المؤمنين أو إلى الناس كافة من موقع الشرط الأساس للإيمان، فلا إيمان بدونه في ما يتمثل فيه التوحيد بالخط العملي والانفتاح القلبي على التسليم المطلق من خلال الثقة المطلقة بالله.

{وَأَطِيعُواْ اللَّهَ} في ما شرعه من شرائع الدين في كتابه، {وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ} في ما يأمركم به أو ينهاكم عنه من الأوامر والنواهي التي أوكل الله أمرها إليه في شؤون التشريع وفي أمور الولاية. فذلك هو المظهر الحقيقي للإيمان الذي لا يتمثل حالةً في العقل فقط، بل يتحول إلى حالة في الممارسة العملية في السلوك الحركي للإنسان المؤمن.

{فَإِن تَولَّيْتُمْ} وأعرضتم عن ذلك، وانحرفتم عن الخط المستقيم، وانطلقتم لتخططوا لأنفسكم خطاً ذاتياً في خط السير، أو لتتبعوا شرائع الآخرين وأفكارهم في حركة الانتماء والتشريع والممارسة، فلن يكرهكم الرسول على القبول بالانسجام معه في خط الطاعة، في ما هو أسلوب الدعوة القائم على مخاطبة الإنسان على أساس الإرادة الحرة في اختيار الموقف، ليتحمل مسؤوليته في الجانب السلبي أو الإيجابي، تبعاً للموقف الذي يتبناه، حيث تكون مهمة الرسول، أو الداعية الذي ينطق باسم الرسول القيام بتقديم كل الوسائل التي تدفع إلى تكوين القناعة لمصلحة الدعوة، وتوفير كل الأجواء الملائمة لذلك، بالكلمة والأسلوب، {فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} من دون ضغطٍ أو إكراهٍ.

وهكذا تؤكد هذه الفقرة من الآية أن هناك طاعةً للرسول بالإضافة إلى طاعة الله، ولكن ذلك لا يعني أن هناك استقلالاً مولوياً في ما يمثله الرسول في أوامره ونواهيه، بل يعني أن الله أوكل للرسول أموراً معينة في تفاصيل التشريع وفي شؤون الولاية، ما يجعل هناك نسبةً خاصةً في الموضوع إلى الرسول الذي لا ينطلق في ذلك إلا من خلال الخطوط الواضحة التي وضعها الله، وأراده أن يسير عليها، ويتحرك من خلالها، بحيث تكون طاعته امتداداً لطاعة الله، وهذا ما جاء في الآية الكريمة {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء:64] وقوله تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَآ أَرْسَلْنَـكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } [النساء:80].

{اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} فهذه هي الحقيقة التوحيدية التي لا بد أن تلتزموها في خط التصور العقيدي، وفي حركة الطاعة العملية، لتكون الطاعة لله في الخط المباشر لمعنى التوحيد، وتكون الطاعة للرسول من خلال صفته الرسالية المتصلة بالله تأكيداً لذلك. {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} ليتوجهوا إليه في كل المواقع القلقة التي تثير القلق في نفوسهم عندما يواجهون المجهول فيما حولهم، مما يخافون من تهاويله التي لا يستطيعون الوصول إلى طبيعتها، أو يتطلعون إلى المستقبل الذي لا يعرفون ماذا يحمل لهم من متاعب ومشاكل، لأنهم لا يعرفون أعماق الغيب، بعد أن قاموا بكل الشروط الموضوعة في تصرفهم، في ما يتعلق بتهيئة الأسباب الطبيعية للوصول إلى النتائج. وهنا يأتي التوكل على الله، بتسليم الأمر إليه من خلال الثقة بقدرته على كل مواقع الخوف، واطلاعه على مفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا هو، ليشعر الإنسان بالثقة والاطمئنان إلى كل المناطق الخفية في حياته، الغارقة في عالم الغيب الخاضع لله.