تفسير القرآن
الطلاق / من الآية 4 إلى الآية 7

 من الآية 4 الى الآية 7
 

الآيــات

{وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً* ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً * أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُوْلاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَائتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى * لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ اللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَآ آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} (4ـ7).

* * *

معاني المفردات

{ارْتَبْتُمْ}: الارتياب: الشك.

{تُضَآرُّوهُنَّ}: أي لا توجهوا إليهن ضرراً يشق عليهن تحمله، من حيث السكن والكسوة والنفقة.

{وَائتَمِرُواْ}: الائتمار بشيء تشاور القوم فيه بحيث يأمر بعضهم فيه بعضاً.

{تَعَاسَرْتُمْ}: التعاسر: تبادل العسر، بمعنى أن يريد كل طرف العسر للآخر.

{قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ}: قدر الرزق: ضيقه.

{آتَاهَا}: الإيتاء: الإعطاء.

* * *

من تفاصيل أحكام الطلاق

{وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ} وهن اللاتي انقطع الحيض عنهن، فلم يرين منه شيئاً، وحصل الريب في سبب انقطاعه، هل هو لعارضٍ صحي، أو لبلوغهن سن اليأس، ولم يمكن الرجوع إلى قاعدةٍ حاسمةٍ للتمييز بين الاحتمالين، {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} بدلاً من الرجوع إلى الإقراء في الحالات الطبيعية. {وَاللاّتِي لَمْ يَحِضْنَ} أي لم يأتهن الحيض فعلاً، وهن في السن التي تفرض مجيء الحيض بشكل طبيعي، لولا العارض الطارىء الذي منع من ذلك، فإنهن يأخذن العدة على أساس الثلاثة أشهر. {وَأُوْلاتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} سواء قل الزمن أو كثر، وربما كان ذلك على أساس أن العدة في حكمتها كانت لاستبراء الرحم من الحمل، فإذا كانت المرأة حاملاً ووضعت حملها، فلا موجب للعدة بعد ذلك.

{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ} في ما يأخذ به من حدود الله التي وضعها لتنظيم شؤون عباده، {يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} في ما تتضمنه التشريعات من تيسير شؤون الناس على أساس القاعدة السهلة السمحة في الشريعة، وفي نطاق الوعد الإلهي بتسهيل أمور المتقين في ما يستقبلونه في حياتهم من الصعاب والمشقات، رأفةً بهم وتشجيعاً لهم على فعل الخير، والتزام التقوى.

{ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ} في ما حدده لكم من أحكامه في شؤون العدة في الطلاق، {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ} في الالتزام بها {يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ} لأن الطاعة تطرد السيئة في نتائجها الآخروية، {وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً} في ما يجزي به الله المتقين على أعمالهم الخيرة، ولعل مجرى هذه الآية يلتقي مع مجرى الآية الكريمة في قوله تعالى: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً} [النساء:31].

{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ} وهذا هو التشريع المتعلق بالمطلقة من حيث سكناها في مدة العدة. فلا بد للمطلق من أن يسكنها في حدود إمكاناته المادية، في نوعية المسكن، على الموسر قدره، وعلى المعسر قدره. {وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عليْهِنَّ} كما يفعل بعض الأزواج الذين يقصدون الإضرار بالمطلقة من خلال العقدة النفسية المستحكمة ضدها، فيوجهون إليها الضرر الذي يشق تحمله في النفقة والسكنى، بحيث تقع في الضيق والحرج الشديد.

{وَإِن كُنَّ أُوْلاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} مهما طالت مدة الحمل، فإن الإنفاق عليهن ينطلق من موقع خصوصية العدة في طبيعتها وخصوصية الحمل الذي يكون الإنفاق عليها من شؤون الإنفاق عليه.

{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ} بعد وضع الحمل، {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} لأن مسؤوليته على الأب لا على الأم، باعتبار أن ذلك من مفردات الإنفاق. فللأم أن تأخذ الأجر على الإرضاع، حتى لو كان الرضيع ولدها، كأية امرأةٍ عاملةٍ تستحق أجراً على عملها.

{وَائتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ} أي تشاوروا في مسألة تحديد أجر الرضاعة بحيث يأمر بعضكم فيه بعضاً، فلا يتضرر الرجل بزيادة الأجر الذي يدفعه، ولا المرأة بنقصانه عن القيمة الواقعية، ولا الولد بنقصان مدة الرضاع أو كميته {وَإِن تَعَاسَرْتُمْ} بحيث فرض كل فريقٍ على الآخر قيمةً مرتفعةً فلم يصل الأمر إلى توافقٍ بينكم، أو أصرّت المرأة الأم على أجرٍ مرتفع لا يقبل به الأب لزيادته عن الحد الطبيعي، {فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} أجنبية غير والدته، إذا رضيت بأجر معقول.

{لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ} فهذا هو الخط العام في حدود الإنفاق الواجب على الرجل في المال الذي يقدمه للمطلقة المرضعة لولده. {وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} بحيث كانت أحواله المادية ضيقة، لا تسمح له بالتوسعة عليها {فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ اللَّهُ} أي مما أعطاه الله.

* * *

لا يكلف نفساً إلا ما آتاها

{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَآ آتَاهَا} لأن الله إنما أنزل تكاليفه على العباد لتطاع، وليكون الانبعاث عنها أمراً ممكناً، أو قريباً من الطاقة الإنسانية العادية، فإذا كان مستحيلاً كان عبثاً أو ظلماً، لأن العقاب على ترك امتثاله يكون عقاباً على غير أساسٍ من العدل، وإذا كان حرجاً أو شاقاً، كان بعيداً عن اليسر الذي تنفتح النفس له وتقبل عليه، ما يجعل من امتثاله أمراً لا يتفق مع لطف الله بعباده، وعلى هذا الأساس، فلا يكلَّف المطلِّق الإنفاق على المطلّقة بأكثر مما تتحمله طاقته المادية، وعليها أن تنتظر اليسر في أموره بالاعتماد على الله الذي يغيّر أمور عباده من حالٍ إلى حالٍ، {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} في ما تقتضيه رحمته من إعانة عباده على ما هم فيه من شدّةٍ وضيق عندما تقتضي الحكمة ذلك.