من الآية 15 الى الآية 20
الآيــات
{أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً* وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً* وَاللَّهُ أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأرْضِ نَبَاتاً* ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً* وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ بِسَاطاً* لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً} (15ـ20).
* * *
معاني المفردات
{تَرَوْا}: هنا: يراد بها العلم، لا النظر.
{طِبَاقاً}: إمّا من المطابقة، أي أن السماوات بعضها فوق بعض، وإمّا يراد بها التطابق والتماثل.
{أَنبَتَكُمْ}: أي أنبتكم إنبات النبات.
{سُبُلاً}: جمع سبيل بمعنى الطريق.
{فِجَاجاً}: جمع فجّ، بمعنى الطريق الواسعة، وقيل: الطريق الواقعة بين جبلين.
* * *
نوح يحثّ قومه على التفكّر
ويتابع نوح حديثه مع قومه، فيوجههم إلى التفكير في السماء وفي القمر والشمس، وفي حياة الإنسان على الأرض، وفي عودته إليها وخروجه منها، وفي الأرض التي مهّدها ليسهّل على الإنسان سكناها، وشقّ فيها السبل ليسهل عليه سلوكها، ليزيد بذلك معرفتهم الكونيّة التي تفتح لهم آفاق المعرفة الإلهية في ما تؤدي إليه من الإيمان بالله والخضوع له.
{أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً} قد لا يراد من الرؤية هنا ما يصل إليه الإنسان بنفسه من طريق الحسّ أو من طريق العقل، لأن ذلك لم يكن متوفراً لهؤلاء أو لِمَن بعدهم في تعدّد السماوات وفي تحديد عددها، بل ربما يكون المراد تقرير هذه الحقيقة بالإِيحاء بثباتها ووضوحها كما لو كانت شيئاً حسناً، في ما هو وضوح الرؤية الحسيّة، أو كما لو كانت شيئاً عقلياً قاطعاً في ما هي المعرفة العقلية الواضحة.
{وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً} هادئاً يختلط فيه الظلام من دون أن يثير في الأجواء عتمته، ويبعث الحذر الوديع في المشاعر المتوترة، ويثير الأحاسيس الحميمة بحبات النور الذي ينساب في الكيان حتى يحوّله إلى أحلام حلوةٍ ساهمة، {وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً} يبعث الدفء والإشراق في الكون، وينفذ إلى كل موجود حيّ ليمنحه حرارة الحياة حتى لا يتعفّن في داخله أخلاطها من خلال المؤثّرات السلبية التي تتأثر بها الأشياء الحيّة. وقد ذُكِر في الفرق بين التعبير عن القمر بالنور والشمس بالسراج، أنه اختلاف كلمة الضياء التي توحي بها كلمة السراج عن النور الذي لم يبلغ قوة ضياء الشمس.
{وَاللَّهُ أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتاً} فمنها خُلِقْتُم، من البذرة التي انطلقت عناصرها من الغذاء الذي يمتد بكل عناصره من التراب، تماماً كما هي البذرة التي تنمو فتتحول إلى خضرةٍ وثمرةٍ وفاكهةٍ، {ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا} بعد أن تموت الحياة في أجسادكم وتُدْفَنون في داخلها وتتحلل أجزاؤها إلى تراب، ثم تدبّ الحياة في التراب بقدرة الله التي أعطت التراب في البداية حيويّة التحول، وسرّ النموّ، فإذا بكم تعودون بشراً حيّاً متحركاً كما كنتم، {وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً} لتواجهوا الموقف النهائي الحاسم الذي تقفون فيه بين يدي الله في موقف الحساب، حيث ينطلق كل التاريخ المضيء ليضيء لكم الطريق نحو الجنة وكل التاريخ المظلم ليقودكم إلى النار.
{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ بِسَاطاً} تفترشونه في نومكم وراحتكم، وَفَتَحَها لكم في الطريق التي تخترق الجبال والوهاد، {لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً} أي واسعة، لتصلوا من خلالها إلى ما تقصدونه من أهدافكم وغاياتكم في العيش في جميع جهاتها، فلا يُغلَق عنكم موقعٌ من مواقعها، لتكون الأرض كلها تحت سيطرتكم وتصرفكم.
تفسير القرآن