الآية 18
الآيــة
{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللَّهِ أَحَداً} (18).
* * *
المساجد لله
ربما كان هذا من تتمة كلام الجن في ما يريدون أن يعبروا به عن توحيد الله، وربما كان من كلام الله الذي يتدخل في هامش القصة ليقرر للناس هذه الحقيقة.
{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} الظاهر أن المراد بالكلمة الأمكنة التي يتخذها الناس أمكنة للعبادة في ما اصطلح عليه في الإسلام باسم المساجد، فلا مجال لمشاركة غير الله فيها، لأن طبيعة العبادة من مختصات الله الذي لا بد للناس من أن يوحّدوه في العقيدة، {فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللَّهِ أَحَداً} فلا ترفعوا فيه إلا اسمه، بكل الأساليب التي تتمثل فيها الأسماء والأوضاع التي قد يستعملها الناس فيمن يحبونه أو يقدّسونه، فيرتفعون به إلى مستوًى قريب من مستوى المثالية، بالإضافة إلى بعض الصفات التي ترتفع عن المستوى البشري، أو بالقيام ببعض الطقوس المشابهة لطقوس عبادة الله، ما يجعل الدعوات تتجه إلى هؤلاء كما تتجه إلى الله بطريقةٍ قد لا تحمل في داخل العقيدة معنى الألوهية، ولكنها تستغرق في أجوائها.
وهناك رواية تتجه بالآية اتجاهاً آخر، وذلك بأن يكون المراد بالمساجد مواضع السجود، وهي أعضاء السجود التي يُسْجَدُ عليها، وهي: الجبهة والكفان والركبتان وأصابع الرجلين، وهي الرواية المروية عن الإمام محمد الجواد(ع) عندما سأله المعتصم عن السارق من أيّ موضعٍ يجب أن يقطع؟ فقال: «إن القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع، فيترك الكف، قال: وما الحجة في ذلك؟ قال: قول رسول الله(ص): السجود على سبعة أعضاء: الوجه واليدين والركبتين والرجلين، فإذا قطعت يده من الكرسوع[1] أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها، وقال الله تبارك وتعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها {فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللَّهِ أَحَدا} وما كان لله لا يقطع، قال الراوي: فأعجب المعتصمَ ذلك، وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف»[2]. ونقل ذلك أيضاً عن سعيد بن جبير والفراء والزجاج، وعلى هذا فيكون المعنى أن أعضاء السجود تختص بالله تعالى فاسجدوا بها له لا لغيره، ولكن هذه الرواية ضعيفة السند، فلا حجة فيها.
ـــــــــــــــــــــ
(1) الكرسوع: طرف الزند الذي يلي الخنصر الناتىء عند الرّسغ.
(2) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، ط: الأولى، 1412هـ ـ 1992م، م:16، ج:50، ص:424، باب:24، رواية:7.
تفسير القرآن