من الآية 19 الى الآية 24
الآيــات
{وَأَنَّهُ لَّمَا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً* قُلْ إِنَّمَآ أَدْعُو رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً * قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً* قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً* إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً* حَتَّى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً} (19ـ24).
* * *
معاني المفردات
{لِبَداً}: اللبد ـ بالكسر فالفتح ـ : جمع لُبْدة بالضمة فالسكون: المجتمعة المتراكمة.
{يُجِيرَنِي}: إعطاء الجوار. وحكمه: حماية المجير للجار، ومنعه ممن يقصده بسوء.
{مُلْتَحَداً}: اسم مكان، وهو المكان الذي يعدل وينحرف إليه للتحرز من الشر. وقيل: المدخل.
* * *
لا أملك لكم ضراً ولا رشداً
{وَأَنَّهُ لَّمَا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ} وهو رسول الله {يَدْعُوهُ} أي يدعو به في صلاته أو في غيرها {كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} أي كان المشركون يتجمعون حوله جماعات جماعات، تماماً كما هي اللبد الطبقات المتجمعة المتراكمة، ليوقعوا الأذى به في إنكارهم عليه، على أساس أن يكون هذا من قول الجن لقومهم في ما شاهدوه من سلوك المشركين العدواني ضد رسول الله(ص).
أمّا إذا كان قولاً ابتدائياً من الله، فيمكن أن يكون حكاية عن الجن في اندفاعهم والتصاق بعضهم ببعض عند سماعهم القرآن، كما يمكن أن يكون حكايةً عن المشركين، والله العالم.
{قُلْ إِنَّمَآ أَدْعُو رَبّي} فهو المقصد لكل داعٍ في كل ابتهالاته الروحية، وفي حاجاته العامة والخاصة، لأنه المهيمن على الأمر كله، فلا أمر لغيره معه، {وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً} لأن كل الذين يزعمهم الناس شركاء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، فلا معنى لاعتبارهم آلهة على أيّ مستوى من ذلك.
{قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً} في ما يمكن أن يحصل لكم من ضررٍ أو نفع، لأنني بشرٌ مثلكم لا أملك أيّة قدرةٍ بعيداً عن قدرة البشر، فلا أتميز عنكم بشيء، فلست أتقدم إليكم من موقع القدرات الخارقة المعجزة التي تضغط عليكم بطريقةٍ غير عادية، وليس من شأن الأنبياء أن يكونوا كذلك، لأن مهمتهم لا تفرض عليهم هذا المستوى من القوة المادية الخارقة.
{قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ} إذا أراد الله بي سوءاً في أيّ موقع من مواقع الحياة، {وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً} أي مكاناً منغلقاً أحترز به من عقوبته، أو أجد فيه مفرّاً من قدرته.
* * *
المهمة الموكولة إلى النبي(ص)
{إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ} فهو الملجأ الذي ألجأ إليه لأكون قريباً من رحمته، فهذه هي الفرصة الوحيدة للنجاة من عقابه والحصول على ثوابه، وهذه هي مهمتي الأولى والأخيرة التي كلفني بها لأؤديها بالوسائل البشرية التي أملكها في قدراتي الخاصة، بالأساليب الحكيمة التي تفتح عقولكم على أفكارها، وقلوبكم على مواقع الشروق الروحي فيها.
وإذا كانت هذه هي المهمة الموكولة إليّ من الله، فلا خيار لي إلا أن أقوم بها من موقع المسؤولية الملقاة على عاتقي، ليبقى لكم بعد ذلك اختيار السير معي في خطها المستقيم، والاستسلام لله في رحاب طاعته وفي مواقع رضاه، فذلك وحده هو الذي يدخلكم جنته ويخلصكم من عقابه، لأنه الملجأ الوحيد لكم، كما كان البلاغ الذي يمثل معنى الطاعة في موقفي هو الملجأ الوحيد لي للقوّة وللنجاة.
* * *
جزاء العاصين
{وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} وينحرف عن خط رسالاته، ويتمرد على أوامره ونواهيه {فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً} جزاءً على ذلك.
{حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ} يوم القيامة {فَسَيَعْلَمُونَ} في مشاهد القيامة التي لا يملك أيّ واحدٍ منهم أيّ موقعٍ للقوة مما كانوا يستعرضونه في الدنيا في مواجهتهم للأنبياء، في كثرة العدد، وسعة الجاه، {مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً} عندما يقف الرسول والمؤمنون معه في ذلك الموقف العظيم، وهم في الموقع الكبير من القوّة التي ينطلقون فيها من نصر الله الذي هو كل شيء بالنسبة إلى عباده المؤمنين.
تفسير القرآن