تفسير القرآن
المزمّل / المقدمة + من الآية 1 إلى الآية 9

 المقدمة + من الآية 1 الى الآية 9
 

سورة المزّمّل
مكية، وآياتها عشرون

في أجواء السورة

وهذه السورة المكية هي من إحدى السور الأولى النازلة على النبي(ص) في بدايات الدعوة، لتشد عزيمته على مواجهة المصاعب التي تفرضها الظروف القاسية في طريق الدعوة، وذلك من خلال التعبئة الروحية التي تتمثل في قيام الليل وقراءة القرآن وذكر الله، ليكون اللقاء بالله وسيلةً من وسائل الشعور العميق بالحضور الإِلهي في وجدانه، ما يجعله في مستوى الإحساس بالقوّة أمام الناس الذين يحاولون زرع الخوف في نفس الداعية بما يثيرونه في حياته من التهاويل المرعبة، ومن الاتهامات الباطلة بالكلمات غير المسؤولة التي يراد منها إسقاط روحه وإضعاف عزيمته.

وفي هذا الجو، يطلق الله التهديد للمكذبين أولي النعمة الذين طغت بهم نعمتهم في المال والجاه، فدفعتهم إلى الضلال والإِضلال، ويؤكد الله لهم أنه لن يهملهم طويلاً، وبذلك كانت هذه السورة من السور التي تريد أن تفتح قلوب الناس على الله، ليتذكروا مقامه وموعد الوقوف بين يديه، ليدفعهم ذلك إلى السير على الخط المستقيم.

سورة المزمّل

وقد كان اسم «المزّمّل» الذي هو عنوان السورة مأخوذاً من الآية الأولى التي بدأ بها الخطاب للنبي بهذا العنوان الذي يوحي بطبيعته بالاسترخاء والنوم، فكانت السورة بمثابةِ هزّةٍ روحيةٍ رساليةٍ من أجل أن ينطلق للقيام بين يدي الله في الليل لعبادته واستلهام القوّة منه، وللدعوة إلى دينه، وللصبر على نتائج ذلك في ما يحدث له من مشاكل وتحديات من المجتمع الكافر المشرك الذي يواجهه بكل قسوةٍ.

ــــــــــــــــــــ

الآيــات

{يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ* قُمِ اللّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً* أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً* إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً* إِنَّ نَاشِئَةَ اللّيلِ هِيَ أَشَدُّ وَطئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً* إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً* وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً * رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً} (1ـ9).

* * *

معاني المفردات

{الْمُزَّمِّلُ}: بتشديد الزّاي والميم، وأصله المتزمل، اسم فاعل من التزمل، بمعنى التلفف بالثوب لنوم ونحوه.

{وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ}: ترتيل القرآن: تلاوته بتبيين حروفه على تواليها. وقد يكون المراد هنا بترتيل القرآن ترتيله في الصلاة، أو المراد به الصلاة نفسها، حيث عبّر سبحانه وتعالى عن الصلاة بنظير هذا التعبير، كما في قوله: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78].

{ثَقِيلاً}: الثقل: كيفية جسمانية، من خاصته أنه يشق حمل الجسم الثقيل ونقله من مكان إلى مكان. وربما يستعار للمعاني، إذا شقَّ على النفس تحملها أو لم تطقها. فربما أضيف إلى القول من جهة معناه، فعدّ ثقيلاً لتضمنه معنى يشق على النفس إدراكه، أو لا تطيق فهمه، أو تتحرج من تلقيه، كدقائق الأنظار العلمية إذا ألقيت على الأفهام العامة، أو لتضمنه حقائق يصعب التحقق بها، أو تكاليف يشق الإتيان بها والمداومة عليها، على ما في الميزان[1].

{نَاشِئَةَ}: إما مصدر كالعاقبة والعافية بمعنى النشأة وهي الحدوث والتكوّن، وإمّا اسم فاعل من النشأة مضاف إلى موصوفه.

{سَبْحَاً}: المشي السريع في الماء، والسبح الطويل في النهار: كناية عن الغور في مهمات المعاش وأنواع التقلب في قضاء حوائج الحياة.

{وَتَبَتَّلْ}: التبتّل: الانقطاع إلى الله. وفي مرويات الأئمة(ع) أن التبتل هو رفع اليد إلى الله والتضرع إليه.

{تَبْتِيلاً}: مفعول مطلق ظاهراً. وكان مقتضى الظاهر أن يقال: وتبتل إليه تبتلاً، فالعدول الى التبتيل، قيل: لتضمين تبتل معنى بتل، والمعنى: وقطّع نفسك من غيره إليه تقطيعاً، أو احمل نفسك على رفع اليد إليه والتضرع حملاً، وقيل: لمراعاة الفواصل[2].

{وَكِيلاً}: الوكيل: هو من يقوم مقام النفس، بحيث تقوم إرادة الوكيل مقام إرادة المُوكل، وعمله مقام عمله، فاتخاذه تعالى وكيلاً هو أن يرى الإنسان الأمر كله له وإليه تعالى.

* * *

قيام الليل تمهيداً للمواجهة

{يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} التزمّل هو التلفُّف بثوب في حالة النوم ونحوه، وهو كنايةٌ عن القعود والاسترخاء في أجواء الوضع الذاتي الذي يدفع الإنسان للاتقاء من الحر أو البرد، وللسكون في مواقعه حذراً مما قد يحدث له من مشاكل وأحداث. وقد جاء هذا النداء، وما يتبعه من الخطاب، في بداية الوحي للإيحاء للنبي(ص) بأن الوقت قد حان للانطلاق بعيداً عن مواقع الهدوء في الحركة أو الإخلاد للراحة، لأن الرسالة تفرض الدخول إلى ساحة المواجهة في خط الصراع مع المشركين.

{قُمِ اللّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً* نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً} في عبادة الله التي تعيش هدوء الليل الساجي الذي تصفو فيه الروح، ويرقّ فيه القلب، ويشرق فيه الفكر، ويتروّح فيه الإحساس، فترتفع الروح إلى الله في لقاءٍ روحيٍّ خاشعٍ يشد الإنسان إلى ربّه، فيلتقي بمواقع رحمته ومواضع رضاه، وينفتح على الإحساس بالقوّة بفضل الارتباط بالله صاحب القوّة المطلقة التي هي من صفات الله، وهذا ما يشعر كل المتعبدين له، والخاشعين له، والمرتبطين بمواقع القرب في دينه، بأنهم في مركز القوّة الكبير لاعتمادهم على مصدر القوّة لكل شيء يوحي بالقوّة في الدنيا على مستوى الوجود كله.

وقد كانت المهمة أن يقوم نصف الليل على أن تكون كلمة {نِّصْفَهُ} بدلاً من الليل، أو ينقص منه شيئاً، تبعاً للحالة الصحية أو نحوها التي تفرض عليه الحاجة إلى الراحة بالنوم وغيره، {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} إذا وجد نشاطاً في جسده، وعزيمةً قويّة في روحه، ليتجاوز نصف الليل في حركة العبادة، لأن الله يريد للإنسان أن يعبده في نشاط الجسد وإقبال القلب وحيويّة الروح، حتى لا تتحوّل العبادة إلى عبءٍ ثقيلٍ متعبٍ، أو حالةٍ جامدةٍ لا تتجاوب الروح معها، ولعلّ هذا ما جعل المسألة تقف عند نصف الليل أو تنقص منه، أو تتجاوزه.

{وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} سواءً في الصلاة أو في غيرها، لأنّ قراءة القرآن تدخل في المنهج التربوي الإسلامي الذي يريد الله ـ من خلاله ـ للإنسان المسلم أن يرتبط بالوحي في مفاهيم العقيدة والشريعة، وفي حركة الدعوة والجهاد، ليصوغ ذاته صياغةً إسلاميةً كاملة، بحيث لا يكون في داخله شيءٌ لغير الإسلام، ولا يكون ذلك إلا بالاستغراق في كل أجواء الوحي وآفاق العبادة، ليرتفع به الوحي إلى رحاب الله في حركة الوجود من حوله، وتطوف به العبادة في أجواء الروح التي تحلّق نحو الله، لتلتقي به في عروجها إليه من خلال المعرفة الواعية المنفتحة على كل صفات الكمال والجلال والجمال في ذاته.

والمراد بترتيل القرآن تلاوته بتبيين حروفه، وذلك بمدِّ الصوت به وتجويده بطريقةٍ خاشعةٍ متوازنةٍ لا تحمل أجواء التغنّي، ولا ميوعة التنغيم.

وقد جاء في الدر المنثور: «أخرج العسكري في المواعظ عن علي(ع) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) سُئِل عن قول الله: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} قال: بيّنه تبييناً ولا تنثره نثر الدقل، ولا تهذّه هذَّ[3] الشِّعر، قفوا عند عجائبه، وحرّكوا به القلوب، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة»[4].

وجاء فيه: «أخرج ابن أبي شيبة عن طاوس قال: سئل رسول الله(ص): أي الناس أحسن قراءة؟ قال: الذي إذا سمعته يقرأ رأيت أنه يخشى الله»[5].

وعلى ضوء ذلك، تؤكد التربية الإسلامية في قراءة القرآن على القراءة الهادئة الحلوة الخاشعة التي تفسح المجال للكلمة أن تنغرس في القلب، وللفكرة أن تتعمق في الوجدان، وللخشوع أن يهز الكيان كله، حتى ليحسّ الإنسان بالجنة أمام عينيه في الآيات التي تتحدث عن الجنة، وبالنار تقترب من وجهه حتى لتكاد تلفحه في حرارتها، في الآيات التي تتحدث عن النار، كما يلتقي بالله في استغراقه في معنى الألوهية في ذاته ليعيش في آفاق معاني رحمته وغضبه وقوّته وجبروته ولطفه وعظمته، ليتمثل حضوره في كل روحه وقلبه وشعوره، وتتحول العقيدة عنده إلى جزءٍ من حركة الذات في الفكر والإِحساس.. وهذا ما يمكن أن يوحي به الترتيل الذي يقف بك عند كل كلمة، ويطوف بك في كل إيحاء، وينطلق بك في كل المعاني التي تتّسع آفاقها في معنى الحياة، فتتجاوز مدلول الكلمات.

* * *

إنّا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً

{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} وهو القرآن الذي يحمل في داخله كل مفاهيم الرسالة وخطوطها الفكرية والعملية في الحياة، ما يدفع الإنسان إلى الالتزام في دائرة المسؤولية التي تثقل عليه من خلال تحويل الحياة في وجدانه الحركيّ، من ساحةٍ للاسترخاء واللاّمبالاة والسكون والحرية الغارقة في بحار الشهوات، والمتخبّطة في وحول الجريمة، إلى ساحةٍ للدعوة إلى تصحيح الفكر واستقامة القصد، ووضوح الهدف، وطهارة الوسائل، وتنظيم الحياة، وتوجيه الإنسان نحو القضايا الكبيرة التي تلتقي برضى الله في مواقع رحمته وحكمته في الدنيا والآخرة.

على ضوء ذلك، فإن القول الثقيل لا يتمثل في الثقل المادي كما توحي بعض الروايات التي تعبر عن الضغط والتأثيرات الشديدة التي كان يتعرض لها النبي في جسده عند نزول الوحي عليه، بل يتمثل في ثقل المسؤولية التي تضغط على كل الواقع الإنساني لتدفعه إلى الالتزام الفكري والعملي الذي يقف عند حدود الله فلا يتجاوزها، ويتحمل ثقل الأعباء الملقاة على عاتق الإنسان المسلم الذي يواجه التحديات من موقع الإيمان الرسالي الذي يثبت في كل حالات الاهتزاز الروحي الهادف إلى إسقاط الواقع من حوله.

وهذا ما يحتاج إلى التربية الطويلة، والمعاناة الشديدة، والقوّة الروحية التي ترتفع بالإنسان إلى الآفاق الواسعة، فلا تضيق به مشكلة، ولا تضعفه مصيبةٌ، ولا تخنقه عقدةٌ، ولا يثيره انفعالٌ، ليكون إنسان الفكر الهادىء، والعاطفة المتزنة، والحركة العاقلة، والواقع المتوازن، والكلمة الحلوة الهادئة، لأن الرسالة لا تنمو في عقل الإنسان إلا من خلال الشخصية الإنسانية التي تجمع ذلك كله.

وتلك هي قيمة القيام بالليل الذي يملأ الروح بالصفاء والنقاء والهدوء والاتّزان العقلي والروحي، عندما يتكرر لقاء الإنسان بربّه في أجواء الليل الذي يحوّل الظلام من حالةٍ تثقل الروح بسوادها إلى حالةٍ تبعث الصفاء في الروح من خلال الاسترخاء الذي يبعثه في مشاعرها، فيدفعها إلى الهدوء في الحركة والفكر، كما يوحي له بارتفاع مستوى الإِحساس بالقوّة التي يستمدها من صلته بالله.

* * *

الروحانية الصادقة الصافية في اللّيل والنهار للعمل

{إِنَّ نَاشِئَةَ اللّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً} الظاهر أن المراد بكلمة {نَاشِئَةَ اللّيْلِ}، ما ينشأ من الليل بعد العشاء، كما قيل، وهي كنايةٌ عن صلاة الليل التي تندمج في الزمن لتحمل للإنسان معناها الروحي والعملي، نتيجة الجهد الكبير والمشقة الشديدة بسبب سهر الليل، والتمرد على حاجة النفس للنوم والراحة والاسترخاء الهادىء، وبذلك كانت أشد وطئاً وتأثيراً على الجسد من أيّة صلاةٍ أخرى ومن أيّ عمل آخر. وإذا كان الليل هو زمن الصفاء والهدوء عندما تخلد كل الموجودات الحيّة للراحة، ويبسط الظلام ظلّه على الأرض ليمنحها الاستغراق في الاسترخاء الهادىء، فإن الكلمة عندما تتحرك فيه من بين الشفتين، تمثل العذوبة والحلاوة والروحانية والصفاء والنقاء التي تفتح النفس على الحقيقة، فلا يشوبها غموض ولا تعقيد، ولا يقترب منها الباطل، وبذلك تكون أقوم في المعنى، وفي الجوّ وفي الحركة، لأنها لا تنطلق من بين الضجيج، بل تتحرك من عمق الهدوء الذي يمنح الفكر انطلاقه وانفتاحه وعمقه وامتداده في الحياة... وهكذا يريد الله لنبيه وللدعاة معه ومن بعده أن يستغرقوا في قيام الليل، لتوحي له الصلاة بالروح القوية التي تثبّت الإنسان في مواقف الاهتزاز، وفي مواقع التحديات، ولتفتح له الفكر القويم من خلال الشخصية القوية التي تواجه الضعف من قاعدة الإيمان.

{إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً} من جهة ما يخوض فيه الناس من أشغال ومهمات وأوضاع على مستوى الدعوة والحركة والعلاقة والتحدي والصراع، تماماً كما هي السباحة في الماء التي يواجه فيها السابحون التيارات القويّة، فينزلون إلى الأعماق تارةً، ويمتدون مع التيار أحياناً، ويرتفعون مع الأمواج الطاغية أحياناً أخرى، لتأخذ كل الحركة من جهدهم البدني، ومن هدوئهم النفسي، مما لا يدع لهم أيّ شعورٍ بالفراغ، وأيّ إحساسٍ بالانفتاح على الذات وعلى الحياة، ولهذا كان الليل ساحة الذكر والقيام والروحانية، والهدوء المنساب مع صفاء الظلام.

{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ} لأن الذكر المتواصل الدائم يفتح في قلبك نافذةً على الله، فلا يتطلّع القلب إلى غيره، ولا يغفل عنه، فينبض بمحبته وبالرغبة إليه في مواقع الرجاء، وبالخشية منه في مواقع الخوف، وبذلك تتصل حياتك بالله، وتندمج بوحيه المتحرك في أوامره ونواهيه، وتتربَّى على الروحية التي تنساب في كل معاني العظمة والجلال والجمال في ذاته، لتكون في أفكارك ومشاعرك ومواقفك إنسان الله، كما يحب الله ويريد.

* * *

أَقْبِلْ على الله واتخذ وكيلاً

{وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} قيل إن التبتل مأخوذ من البتل، وهو القطع مثل البت، ويراد منه هنا الانقطاع إلى الله، بالانصراف عن الدنيا والإِقبال عليه. وقد جاء في بعض أحاديث أئمة أهل البيت(ع)، أن التبتل رفع اليد إلى الله والتضرع إليه، وربما كان ذلك بلحاظ الجانب التعبيري عن الانقطاع إلى الله في مواقع العبادة الروحية في معانيها على مستوى الشكل والمضمون، أي انقطع إليه انقطاعاً كاملاً بالكلمة والإشارة والحركة والروح والفكر والوجدان.

وإذا كان ذكر اسم الله بالقلب واللّسان هو الخط في الحركة، والانقطاع الكامل إليه هو العمق في الروح والشعور، فلا بدّ من أن يسبق ذلك التصور الشامل للقدرة المطلقة، والهيمنة الكلية، والوحدة الإلهية، ليكون الذكر والانقطاع ناشئين من قاعدة الوعي الإيماني المنفتح على حقائق الكون والحياة.

{رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} بما يعنيه ذلك من ربوبيته للعالم كله، باعتبار أن المشرق والمغرب يمثلان الجهتين اللتين يتوجه إليهما الوجود المتحرك، ما يدل على أنه يتجه إلى الله في كل وجهة يتجه إليها، لأن الله هو رب الجهات كلها، بحسب المعنى الكنائي في هذا أو ذاك، {لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ} فهو وحده الإِله، لأن كل من عداه في الكون فهو مألوهٌ له، وخاضعٌ لإِرادته، ومنقادٌ لتدبيره، فكيف يكون إلهاً معه، وذلك هو التصوّر الذي يوحي بالثقة والاستسلام له في كل شيء، والاعتماد عليه في كل قضية، والرجوع إليه في كل مشكلة، {فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً} على أساس قدرته وحكمته ورحمته وربوبيته في تدبيره.

ــــــــــــــــــــ

(1) تفسير الميزان، ج:20، ص:67 ـ 68.

(2) (م.ن)، ج:20، ص:72.

(3) هذَّ القرآن يهذّه هذاً: أسرع في قراءته وقطعه.

(4) الدر المنثور، ج:8، ص:314.

(5) (م.ن)، ج:8، ص:314ـ315.