تفسير القرآن
المدثر / من الآية 32 إلى الآية 37

 من الآية 32 الى الآية 37
 

الآيــات

{كَلاَّ وَالْقَمَرِ* واللّيل إذ أدْبَر* والصّبْحِ إذا أسْفَرْ* إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ* نذيراً للبشر* لمن شاء مِنْكُم أن يتقدّم أو يتأخّر} (32ـ37).

* * *

معاني المفردات

{أَدْبَرَ}: إدبار الليل مقابل إقباله.

{أَسْفَرَ}: إسفار الصبح: انجلاؤه وانكشافه.

* * *

تجلّي العظمة الإلهية في المخلوقات

{كَلاَّ} إنها كلمة الرفض التي تتكرر لمواجهة كل الأوهام التي تعيش في أذهان الناس في قضايا العقيدة والحياة، لتقول لهم: ليس الأمر كما تتوهمون في خيالاتكم المَرَضيّة المعقّدة، بل هو ما تفرضه الحقيقة على الواقع الوجداني الذي يعيش صفاء الفطرة في الإنسان، لتتحول القناعة إلى قسمٍ عظيمٍ بالظاهرة الكونية التي تفرض نفسها على الكون كله، وهي ظاهرة القمر الذي يريد الله للناس أن يتأمّلوا عظمته في شروقه وغروبه وخط سيره، وفي تأثيره على الليل في نوره الهادىء الوديع الذي يلامس الجفون بما يشبه الأحلام، وعلى كثيرٍ من الأوضاع الكونية في الأرض، ليكون القَسَم وسيلةً من وسائل التفكير به وبالحقيقة التي يراد إثباتها. {وَالْقَمَرِ} أتراه كيف يفرض نفسه على الكون لتتعرف من خلال ذلك كيف تفرض هذه الحقيقة نفسها على الواقع؟!

{وَاللّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ} وولّى ليترك الأفق كله للنور القادم من قلب الشمس التي تطرد بشعاعها كل ظلام، {وَالصُّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ} وكشف عن وجهه المشرق الذي يتلألأ بكل حبّات الضوء التي تتساقط من الأفق، كما يتساقط الندى على الزهور، ثم ينهمر الضياء كالشلال عندما يتدفق، فيزداد الشروق حتى يغمر الكون... إنها الحقيقة: حقيقة الضياء الذي يهزم الليل، وحقيقة الصبح الذي يحدّق بالكون في كل مواقعه حتى لا تبقى هناك أيّة زاويةٍ لم يشرق فيها النور، وهكذا هي الحقيقة الدينية التي تشرق في الروح والقلب والضمير، ليكون القسم بمواقع النور إيذاناً بالنور في الحقيقة.

* * *

إنها لإحدى الكُبر

{إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ} إنها سقر التي تفرض نفسها على الكافرين في جهنم، إنها إحدى العظائم الكبيرة التي لا يتحملها أحد.

{نَذِيراً لِّلْبَشَرِ} الذين تهتز أعماقهم بكل تهاويل الخوف الذي يثيره الله فيها لتفكر في الأمر بكل جدّيةٍ، وتراقب الموقف بكل مسؤولية، لتبقي هؤلاء البشر مع ربّهم، في ما أمرهم به ونهاهم عنه.

{لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} لينطلق في خط التقدم في طاعة الله الذي يدفع الإنسان إلى الأمام ليصل به الطريق إلى الجنة، أو في خط التأخر في معصية الله الذي يرجع به القهقرى إلى نار جهنم، إنه الإِنذار الصارخ الأخير الذي لا بد للإنسان من أن يواجهه بكل إرادة المسؤولية في ذاته.