تفسير القرآن
القيامة / من الآية 16 إلى الآية 19

 من الآية 16 الى الآية 19
 

الآيــات

{لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ* فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} (16ـ19).

* * *

مناسبة النزول

جاء في الدر المنثور للسيوطي: «أخرج الطيالسي وأحمد وعبد بن حميد والبخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في المصاحف، والطبراني، وابن مردويه، وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل، عن ابن عباس قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) يعالج من التنزيل شدّةً، وكان يحرّك به لسانه وشفتيه مخافة أن ينفلت منه يريد أن يحفظه، فأنزل الله: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ*إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} قال: إن علينا أن نجمعه في صدرك ثم تقرأه، {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} يقول: إذا أنزلناه عليك، {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} فاستمع له وأنصت، {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} نبيّنه بلسانك، وفي لفظ: علينا أن نقرأه، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعد ذلك إذا أتاه جبريل أطرق، وفي لفظ: استمع فإذا ذهب قرأ كما وعده الله عزّ وجّل»[1].

قد تكون هذه الرواية صحيحةً وقد لا تكون، وربما كانت اجتهاداً شخصياً في التفسير، مما لا يجعلها حجّة في فهم معنى الآية؛ لذا لا بدَّ من دراسة أجواء هذه الآيات وكلماتها، وفي هذا المجال، نلاحظ أن هذه الآيات لا تتّفق في مضمونها مع ما يحيط بها أوّلاً أو آخراً من الآيات المتصلة بالقيامة في تفصيلات أحداثها، أو الأحداث السابقة عليها، أو الأفكار المتعلقة بها، فهي واردةٌ مورد الجمل المعترضة التي قد تكون لها بعض المناسبة، وليس المناسبة كلها.

ولعلّ الجوّ الذي يسود هذه الآيات قريبٌ من الحالة النفسية التي كان يعيشها النبي محمد(ص) عند نزول الآيات السابقة، بحيث إنه كان يتابع كلمات القرآن عند تلاوة جبريل لها، فيردّدها معه ويلاحقه في الترديد حذراً من أن تفوته كلمةٌ أو ينساها، لأنّ مسؤوليته هي الوعي الكامل للقرآن ليبلّغه للناس بكل دقةٍ.

وقد تكون المسألة بطريقة الكناية، بعيداً عن أيّة حالةٍ طارئة للنبي محمد(ص) آنذاك، فتكون تأكيداً على كفالة الله للقرآن، بحيث لا يحتاج إلى السرعة في ملاحقة الرسول الملائكي بالتلاوة وبالاستعجال بها عند سماعه، ولعل هذا أقرب إلى الذهن، والله العالم.

* * *

لا تحرك به لسانك لتعجل به

{لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} في متابعةٍ سريعةٍ للتلاوة، لأن الله قد تكفّل بجمعه وتسهيل قراءته بكل دقة، وتكفَّل بحفظه من التحريف بالزيادة أو النقصان، {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} أي قراءته عليك لتردّده في كل وقت كما تشاء، وليردّده المسلمون معك، وسنجمعه بكل كلماته لنضم بعضها إلى بعضٍ... فلماذا العجلة، ولماذا الخوف من نسيانه؟

{فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} في اتباع كلماته المقروءة بكل هدوءٍ وخشوع في استغراقٍ واعٍ لكل معانيه.

وربّما فسّر البعض الاتّباع بالسير على وقف أوامره ونواهيه في الجانب العملي، ولكن السياق لا يتناسب معه، لأن الجوّ جوّ حفظ القرآن والاحتفاظ به، لا جوّ الاتّباع العملي.

{ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} حتى تتبيّن حروفه لك وللناس من خلالك، كما تتبين معانيه، ليعيش في أذهانهم على مستوى الوضوح في الكلمة وفي الجوّ وفي المضمون، لأنه جاء نوراً للناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور، فلا يمكن أن يبقى فيه التباس أو غموض.

وقد أثار البعض من المفسرين الحديث ـ في جوّ مناسبة الآية ـ عن نزول القرآن دفعةً واحدة قبل نزوله تدريجياً على النبي محمد(ص) حسبما جاء في بعض الروايات، التي ذكرت أن النبي كان يسبق جبريل إلى ترديده في المرحلة التدريجية قبل أن يكمل كلامه، مما كان يحفظه الرسول منه.

ولكننا نلاحظ على ذلك، أن القضية لو كانت كما ذكر في هذه الروايات لما كانت هناك ضرورةٌ إلى التأكيد على جمعه وقرآنه، لأنه مجموعٌ بجملته في النزول الدفعيّ الأول، ما يجعل هذا الكلام غير دقيق.

ــــــــــــــــــــ

(1) الدر المنثور، ج:8، ص:348.