تفسير القرآن
القيامة / من الآية 20 إلى الآية 25

 من الآية 20 الى الآية 25
 

الآيــات

{كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الآخرةَ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ* إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} (20 ـ 25).

* * *

معاني المفردات

{نَّاضِرَةٌ}: النضرة مثل البهجة والطلاقة، وضده العبوس والبسور.

{بَاسِرَةٌ}: كالحة عابسة.

{تَظُنُّ}: فُسِّر الظن بالعلم.

{فَاقِرَةٌ}: الفاقرة: من فقره إذا أصاب فقار ظهره، وقيل: من فقرت البعير إذا وسمت أنفه بالنار.

* * *

وجوه الناس يوم القيامة

{كَلاَّ} كلمة رفض للواقع الذي يعيشه الناس في أوضاعهم الكافرة التي يحاولون إظهارها بمظهر الخلاف الفكري بين مسألتي الإيمان والكفر، ليبرروا بذلك مواقفهم غير المسؤولة، في ما يحاولون إثارته من الشبهات السطحية حول الآخرة.

{بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ} وهي الدنيا التي استغرقتم في ملذّاتها وشهواتها وامتيازاتها بالمستوى الذي كنتم ترفضون من خلاله كل فكرٍ ووحيٍ يحدّد لكم حدود المواقف، وينظم حركة الشهوات، ويلغي الامتيازات الطبقية الاستكبارية التي استأثرتم بها على حساب المستضعفين المحرومين.

{وَتَذَرُونَ الآخرةَ} فلا تفكرون فيها تفكير المسؤولية، ولا تواجهون الحديث عنها بالمنطق الواعي الذي يلاحق كل حديثٍ ليدرس احتمالاته لتحديد الموقف الفكري أو الواقعي منها، ولذلك تهملون أمر الآخرة، وتتصرفون أمام الحديث عنها تصرّف المنكر لها، وتبتعدون عن الاستعداد لها.

وهذه هي مشكلة الكثيرين من الناس الذين أطبقت عليهم خصوصياتهم الذاتية في الدنيا، فحاولوا أن يمنحوها صفةً فكرية على حساب الواقع المتحرك الذي يحدد مواقفهم في دائرة المصالح الشخصية.

{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ} وهذه هي صفة مجتمع المؤمنين في يوم القيامة، المنعكسة في وجوههم التي تحدّق بالموقف الرهيب، فهناك الوجوه المليئة بالحيويّة والنضارة والإشراق، انطلاقاً من الطمأنينة الروحية، والهدوء النفسي، والإشراق الداخلي المنطلق من الإيمان بالله في انفتاحه على الحق النازل من عند الله.

{إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} بكل وجدانها الفكري، وتطلعاتها الروحية، واستغراقها في آفاق عظمته ورحمته، ما يجعلها مشدودةً إليه بكل كيانها، حتى يخيّل إليك، وأنت تنظر إليها وهي تحدّق في الأعالي، أنها تحدِّق في الله، كما لو كان شيئاً محسوساً في آفاق القيامة، في ذهول النظرة وخشوعها... وفي ضوء ذلك، فإنّ النظر إلى الله ليس نظراً مادياً، بل هو نظر روحي بعين القلب والبصيرة، لاستحالة النظر إليه كما ثبت ذلك بالدليل.

{وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ} أي عابسة عبوساً شديداً، {تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} أي فعلة تقصم الظهور أو تسم أنوفها بالنار، وهي وجوه الكافرين والمشركين والمنافقين الذين كانت حياتهم تمرداً على الله، وضلالاً عن سبيله، وكفراً به.