تفسير القرآن
المرسلات / من الآية 16 إلى الآية 28

سورة المرسلات

 

من الآية 16 إلى الآية 28

 

الآيات

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

{أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ* ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ* كَذَٰلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ* وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ* أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ* فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ* إِلَىٰ قَدَرٍ مَعْلُومٍ* فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ* وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ* أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا* أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا* وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا* وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات: 16-28]

 

معاني المفردات

 

{مهين}: المهين: الحقير، قليل الغناء، والمراد به النطفة.

{مكين}: المراد هنا الرحم.

{قدر معلوم}: مدة الحمل.

{كفاتاً}: كفت الشيء يكفته كفتاً وكفاتاً إذا ضمّه. والمعنى هنا أوعية تضمّ الناس كلّهم.

{رواسي}: الرواسي: الثابتات من الجبال.

{شامخات}: عاليات.

{فراتاً}: الفرات: الماء العذب.

 

ألم نهلك الأولين؟

 

كيف يفكر هؤلاء المكذبون، وكيف يستريحون إلى مستقبلهم الذي يقدّمون عليه، ولماذا لا يدرسون تاريخ الأمم التي سبقتهم من أولئك الذين يلتقون معهم في تكذيب الرسل؟!

{ألم نهلك الأولين} من قوم نوح وعاد وثمود ما أنزل الله عليهم من العذاب في الدنيا فأهلكهم جميعاً، {ثم نتبعهم الآخرين} أمثال قوم لوط وإبراهيم، وقيل إن الآخرين هم الذين تقوم عليهم القيامة، {كذلك نفعل بالمجرمين}، فننزل عليهم العذاب الذي يهلكهم بمختلف الوسائل المألوفة وغير المألوفة، لأنّ  المسألة التي توحّد هؤلاء هي الجريمة الفكريّة بعدما تمرّدوا على الله في انحرافهم العقيديّ، والجريمة العمليّة في عصيانهم لأوامره ونواهيه وابتعادهم عن خطّه المستقيم.

{ويل يومئذٍ للمكذبين} الذين سيواجهون عذاب الله في يوم الجزاء.

عظمة الله في تنويع الخلق

{ألم نخلقكم من ماء مهين} حقير تمثّله النطفة التي لا تملك أيّ ملامح مميّزة تستوجب الانتباه، {فجعلناه في قرار مكين} وهو الرحم، {إلى قدر معلوم} وهو الزمن الذي تتم فيه عناصر النمو للإنسان حتى يستقيم وجوده، {فقدرنا فنعم القادرون} بفعل ما أعطيناه من الخصائص التي تميّز البعض عن الآخر في الطول والقصر، والبياض والسواد، والذكورة والأنوثة، ونحو ذلك، مما يدل على عظمة الله في قدرته على تنويع الخلق من موقع الوحدة وعلى إعادته من جديد، لأن مسألة القدرة في عناصرها الإبداعية واحدة، فكيف تنكرون البعث، وأنتم تعيشون حركة القدرة في الوجود الذي تشاهدون فيه العظمة المتنوعة في كلّ مولود يولد، وفي كلّ حياة تتجدّد، {ويل يومئذٍ للمكذّبين} الذين يكذبون بيوم الدين.

{ألم نجعل الأرض كفاتاً} أي اوعية تضم الناس كلّهم، {أحياء وأمواتاً} فهي تضمّ الأحياء وتحضنهم على ظهرها لتكفل لهم الامتداد في الحياة، وتستوعب الأموات وتضمهم في داخلها، {وجعلنا فيها رواسي شامخات} وهي الجبال العالية الثابتة لئلا تميد الأرض بكم، {وأسقيناهم ماء فراتاً} أي عذب. {ويل يومئذ للمكذّبين} بنعم الله التي أنعم الله بها عليكم، والتي تمنح حياتكم كلّ ما تحتاج  إليه.

**********