من الآية 29 الى الآية 40
الآيــات
{انطَلِقُواْ إِلَى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ* انطَلِقُواْ إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ* لاَّ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ* إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ* كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ* وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ* هَذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ* وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ* وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ* هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأوَّلِينَ* فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ فَكِيدُونِ* وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} (29ـ40).
* * *
معاني المفردات
{ظَلِيلٍ}: هو المانع من الحر والأذى بستره على المستظل.
{اللَّهَبِ}: ما يعلو على النار من أحمر وأصفر وأخضر.
{بِشَرَرٍ}: ما يتطاير من النار.
{جِمَالَةٌ}: جمع جمل، وهو البعير.
* * *
انطلقوا إلى ما كنتم به تكذِّبون
{انطَلِقُواْ إِلَى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} من النار التي أُعِدّت للكافرين المكذّبين الذين كانوا يسخرون من الحديث عنها عناداً واستكباراً.
{انطَلِقُواْ إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ} أي نارٍ لها ثلاث شعب، وقد سمّاها ظلاً لسواد نار جهنم، وقيل: هي دخان نار جهنم له ثلاث شعب: شعبة تكون من فوقه، وشعبةٌ عن يمينه، وشعبةٌ عن شماله، {لاَّ ظَلِيلٍ} أي لا يمنع من الأذى بستره عنه، كما هو الظلّ الطبيعي الذي يقي الإنسان من الحر، {وَلاَ يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ} فلا يدفع عنهم حرّه، {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} وهو ما يتطاير منها في الفضاء، كما هو القصر في علوّه وضخامته، {كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ} أي في حجم الجمل الأصفر حتى يخيل إليك أنه جمل في كل اللهب الأصفر، {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} الذين يكذبون بنار جهنم.
{هَذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ} لأن النطق لا يكون إلاَّ للاعتذار عما بدر منهم ليدافعوا عن أنفسهم، ويتخلصوا من نتائج أعمالهم بما يبررونه منها، ولكن المسألة هناك، أن العذر لا معنى له، لأن الحقائق التي عاشوها في الدنيا لا مجال للدفاع عنها، ولا للشك فيها، فيكون النطق عبثاً.
{وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} لأنه لا مجال لديهم للاعتذار عن ذنوبهم، {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} بهذه الحقيقة الأخروية.
* * *
هذا يوم الفصل
{هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأوَّلِينَ} الذين تلتقون معهم على التكذيب بالرسول وبالرسالة، {فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ فَكِيدُونِ} في ما قد تستغرقون فيه من الشعور بالقوّة العددية التي قد تلتقي بالأفكار الشيطانية وما ينتج عنها من الحيل المتنوّعة بهدف الوقوف ضد رسل الله ورسالته عندما كنتم في الدنيا، فهل تملكون الآن شيئاً من ذلك، وهل يمكن لكم أن تجمعوا كل تجارب الأولين والآخرين لتكيدوا الله الذي يملك القوّة كلها في هذا اليوم الذي لا تملك فيه نفس لنفسٍ شيئاً لأن الأمر كله لله...
وهذا هو الأسلوب الذي يصدم كبرياءهم وكل ما استعرضوه في اجتماعاتهم، وحاولوا الإيحاء به للمستضعفين بالقوّة المطلقة التي يملكونها في مواجهة رسالات الله، ليعرفوا جيداً كيف يكون الموقف في يوم القيامة، فيفكروا فيه ويتراجعوا، ويلتزموا الخط المستقيم، لأن التفكير الجدّي المتوازن العميق قد يدفع بالموقف ليكون في مستوى الصدمة الشديدة لكل الغرور والكبرياء واللاواقعية التي يعيشونها في ذواتهم، وليعلموا أنهم لا يستطيعون الخلاص من عذاب الله، مهما حشدوا من القوّة.
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} الذين ينظرون إلى أنفسهم نظرة التكبّر والتجبّر والخيلاء، فيدفعهم ذلك إلى التكذيب بآيات الله.
تفسير القرآن