المقدمة + من الآية 1 الى الآية 5
سورة الانفطار
مكية، وهي تسع عشرة آية
في أجواء السورة
تعمل هذه السورة على ملامسة المنطقة الشعورية للإنسان، بأسلوبها المتنوّع الذي يهزّ القلب بالخوف المسؤول، ليحرّك تطلّعاته في اتجاه الوقوف في خط المسؤولية، في نظرته إلى موقفه من ربّه، وفي وعيه لمصيره يوم القيامة، فيحدّثه عن انفطار السماء، وانتثار الكواكب، وتفجير البحار، وبعثرة القبور، وعن وعي النفس، في ذلك الوقت، لكل تاريخها العملي، في ما أخذت به من الفرص المتاحة لها في الدنيا، وفي ما أهملته من ذلك.
وتتطلّع السورة ـ في عتابٍ هادىءٍ لاذعٍ ـ إلى الإنسان، وكيف أغفل أمر ربّه، واستسلم للنعمة التي لم يقف معها في موقف الشكر، بل وقف منها موقف الغرور والكفر.
وينطلق الحديث عن تكذيب الناس بالقيامة كسببٍ من أسباب انحرافهم عن الخط المستقيم، ولكن تكذيبهم لا يغيّر من الحقيقة المسؤولة شيئاً، فهناك حافظون يحفظون عليهم أعمالهم في ما يكتبونه منها، وهناك في أجواء القيامة نوعان من الناس الذين يقدِّم الملائكة كتاب أعمالهم إلى ربهم: فهناك الأبرار الذين يدخلهم الله في نعيم جنته، وهناك الفجار الذين يَصْلَوْن الجحيم..
ثم تثير الحديث عن يوم الدين، وهو يوم القيامة، بالطريقة التي تثير الرعب والفزع والهلع، فهو اليوم الذي لا يملك أحد القدرة على أن ينفع أيّ شخصٍ في ما يمكن أن يدفع عنه عقاباً، أو يجلب له ثواباً، لأن الله ـ وحده ـ هو المالك لذلك اليوم، والمهيمن على الأمر كله، فمن لم يكن له سبب إليه من إيمانٍ وعملٍ، فلا سبب له إلى النجاة.
وقد اختار الله تسمية هذه السورة بالانفطار تأسياً بالآية التي استهلّها بها، وهو قوله عز وجل: {إِذَا السَّمَآءُ انفَطَرَتْ} وكأنه شاء لفت الأنظار، منذ البداية، إلى الأهمية الخاصة لهذه الظاهرة ـ الحدث الكونية ـ والتي تندرج في إطار شروط الساعة أو يوم القيامة.
ـــــــــــــــــ
الآيــات
{إِذَا السَّمَآءُ انفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ* وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ* عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} (1ـ5).
* * *
معاني المفردات
{انفَطَرَتْ}: تشقّقت وانصدعت.
{انتَثَرَتْ}: تساقطت.
* * *
من مظاهر التّغيير الكونيّ يوم القيامة
{إِذَا السَّمَآءُ انفَطَرَتْ} وهذا هو مظهرٌ من مظاهر التغيير الكونيّ الذي يؤذن بقيام القيامة وانتقال الناس إلى عالم جديد، فقد كانت السماء متماسكة منتظمة، بحيث لا يستطيع الإنسان، مهما حدّق طويلاً، أن يكتشف أيّة ثغرة في هذا السقف المرفوع، ولكن السماء، في ذلك اليوم المشهود، تتشقق وتمتلىء بالثغرات، وتفتح فيها الأبواب التي يمكن للداخلين، الذين يؤذن لهم بالدخول، أن ينفذوا منها، فكيف يحدث ذلك؟ وهل أن هناك أسباباً طبيعية هي التي تؤدي إلى ذلك، أم أن إرادة الله التي تعلقت بتماسك السماء هي التي تتعلق بانشقاقها بشكلٍ مباشرٍ؟ إن هذه الأسئلة وأمثالها مما لا نملك الوسيلة للحصول على جواب حولها، كما أن معرفته لا تتدرج في إطار المسؤوليات الملقاة على عاتقنا.
{وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ} أي انتقلت عن مواضعها في نظامها المتناسق الخاضع لترتيب معيّن، الذي يمثل حركته في داخل مداراتها المحدودة التي لا تتعداها لتؤدي مهمتها في النظام الكوني في مواقعها المعينة. ولكنها، الآن، في النظام الجديد، تتساقط وتتناثر في الفضاء وتفقد إشراقها، وربما تغيب في آفاق الضياع.
{وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} وذلك ـ في ما فسره البعض ـ بفتح بعضها على بعض، حتى تزول الحواجز بينها، ويختلط العذب منها بالمالح، فتعود بحراً واحداً. وفسرها بعض آخر، بأن التفجير هو امتلاؤها وغمرها لليابسة وطغيانها على الأنهار، أو بتفجير مائها وتحليله إلى عنصرية: الأوكسيجين والهيدروجين، فتتحول مياهها بذلك إلى هذين الغازين، كما كانت قبل أن يأذن الله بتجميعهما وتكوين البحار منهما. وهناك احتمالات أخرى.
{وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ} فقلب باطنها إلى ظاهرها، وهو كنايةٌ عن إخراج الأجداث إلى سطح الأرض في بداية انطلاق الناس إلى المحشر، حيث تبعث فيهم الحياة من جديد، ليقفوا وقفة تأمّلٍ قبل وقفة الحساب، حيث يتذكرون كل تاريخهم العملي في يقظةٍ ووعيٍ.
* * *
تنبيه الإنسان ليوم الحساب
{عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} مما عملته في حياتها، أو ما أخّرته من الأعمال، والتي تمتد نتائجها إلى أمدٍ طويل يبقى بعد الموت، وهو ما سنّته من سُننٍ حسنةٍ أو سيّئةٍ. وقيل: المراد بما قدمت وأخرت ما عملته في أوّل العمر وما عملته في آخره، فيكون كناية عن الاستقصاء.
وهذا هو ما يريد الله من الإنسان التنبّه إليه، ليعدّ نفسه ـ وهو في الدنيا ـ للموقف الحاسم الذي يستعرض فيه كل أعماله في موقف الآخرة.
تفسير القرآن