من الآية 17 الى الآية 26
الآيــات
{أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ* وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ * إِلاَّ مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيْعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأكْبَرَ* إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} (17ـ26).
* * *
النظر إلى آيات الله في خلقه
وهذه نقلةٌ تأمليّةٌ إلى أجواء الفكر في ما يعيشه الإنسان الحائر المنفتح على العناصر الموضوعية في مواجهة الحقيقة الإيمانية، والتي تدفع بالإنسان إلى الأخذ بالنظرة الجادّة الباحثة عن خلفيات الأشياء من حوله وعن آفاقها وأسرارها وإيحاءاتها، كأساسٍ للحوار ولاعتبار والاقتناع في ما يتحاور ويعتبر ويقتنع الناس به، ولهذا أراد القرآن أن يذكر الناس فيها بالله وبمسؤوليتهم أمامه، من خلال توجيه أنظارهم إلى بعض مظاهر خلقه، وتجليات قدرته، لإعمال التأمل والتفكير والنظر، ليقودهم هذا كله إلى معرفة أسرارها في ما يستطيعون معرفته منها، وإلى إثارة اندهاشهم من خلال ما يمكن أن يستقرئوه من بعض خفاياها وأوضاعها المعقّدة، ليكون ذلك أساساً لنظرٍ مستمرٍّ، وتفكيرٍ دائمٍ، وليحمل كل جيل إلى الجيل القادم من بعده بعض محاصيل التفكير والمعرفة عنده، وبعض علامات الاستفهام التي لم يستطع أن يجد الجواب عليها، ليدفعه إلى الاستفادة من تراث المعرفة، وإلى البحث عن الأجوبة المفيدة عن علامات الاستفهام، وهكذا طرح الله، سبحانه، على الناس المتحيرين والشاكين والمعاندين والراغبين في الوصول إلى الحقيقة، ضرورة النظر إلى الإبل والسماء والجبال والأرض، في طريق الوصول إلى الإيمان.
* * *
إبداع خلق الإبل
{أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} في هذا الإعداد الوجودي الفريد الذي يتحرك من خلاله هذا الحيوان الصحراوي الذي يسهل لإنسان الصحراء، أو الإنسان الذي تفرض عليه ظروف حياته أن يقطع الصحراء، عملية نقله من مكان إلى آخر، لانعدام أي وسيلة أخرى آنذاك. فقد ركّب الله في هذا الحيوان خزّاناً يحتفظ بالماء ليروي ظمأه منه عندما يحتاج إليه، ومجمّعاً دهنياً يستطيع التغذي منه عندما يجوع، كما جعله ذلولاً ينقاد لصاحبه ولراكبه ولقائده مع ضخامة جثته وشدّة بأسه، حتى أنه يخضع للطفل الصغير، ومنحه الصبر العجيب الذي يتحمل به كل قسوة الصحراء ومشكلاتها الطارئة، وكل أوضاع الجوع والعطش وسوء الأحوال، كما أنه لا يحتاج إلى المال الكثير لتغذيته لتيسُّر مرعاه بشكلٍ غير مكلف أو معقّد، إلى غير ذلك من الخصائص العجيبة التي لا يملك الإنسان، عندما يراها أو يكتشفها، إلا أن يدرك أن الله الواحد العظيم الحكيم هو الذي أبدع هذا الحيوان ليقوم بدوره الكبير في النظام العام للحياة ولحركة الإنسان فيها.
* * *
من خلق السماء ونظمها؟
{وَإِلَى السَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} هذه السماء العظيمة الواسعة الممتدة في كل الأفق، التي لا تملك أيّة ركائز ثابتةٍ في الأرض، في ما اعتاد النظر فيه أن يبحث لكل شيءٍ معلّقٍ في الفضاء عن القواعد التي يملك الثبات في الموقع المرتفع من خلالها، وهذه السماء التي تمنحك الدفء والنور وحرارة النموّ في مفردات الحياة، من خلال الشمس التي يتدفق النور منها كالشلال، عندما يتحرك الشروق بقوّةٍ في كبد السماء في انطلاق النهار، ويفرّ النور من الأفق تدريجياً بلطفٍ وسحرٍ ونداوةٍ ووداعةٍ، في غروبها الجميل البديع، عندما يتقدم الليل ليأخذ موقعه في أرجاء السماء وفي آفاق الأرض، حيث تتلألأ الكواكب، حتى ليبدو لك من بعيد، بالنظرة الساذجة، أنها المصابيح التي تزيّن الأفق، وتبدع النور الهادىء، وتشير إلى مواقع السبل التي تحدد للناس خط السير في ما يقصدون. ثم، قد ينطلق القمر في رحاب هذه السماء، ليمنح الكون نوراً بارداً رقيقاً ممزوجاً بسحر الظلام، فإذا بالسحر يتضاعف في هذا المزيج العجيب من النور والظلام، بسبب ما يلقي من ظلالٍ، وما ينهمر من شعاع... أفلا ينظرون إلى هذه {السَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} مع كل هذه الضخامة وهذا الامتداد والتنوّع في عناصرها المكوكبة التي قد تكون في طبيعتها تحمل أكثر من عالمٍ، وأوسع من كونٍ؟ هل رفعت نفسها؟ هل خلقت وجودها؟ هل كانت صدفةً، أم أنها من تقدير العزيز الحكيم، مبدع الوجود كله؟
ويبقى للإنسان في تطور النظرة، وتطوّر البحث، وتقدّم المعرفة، الكثير الكثير مما يمكن أن يحصل عليه من أسرار قوانين نشأة السماء وصيرورتها عبر الزمن المديد في صورتها وتكوينها المادي، ليستوحي من خلال ذلك، الإيمان المنبثق من الحقيقة الساطعة التي تفرض نفسها على كل عقل نيّر، وقلب منفتح سليم، القائلة بأن وراء هذه الظواهر كلها إلهاً واحداً قديراً، ولتستوحي آفاق الغيب في علم الله وقدرته من خلال الجو الغامض الذي يوحي به الحس في النظرة البسيطة والفكرة العميقة.
* * *
جلال خلق الجبال
{وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ} على الأرض لتمتد قواعدها في الأعماق السحيقة السحيقة من الأرض، ولترتفع شامخةً في أعالي الفضاء، مع هذه الضخامة والصلابة اللتين توحيان بالمهابة والجلال، لينطلق النظر في دراسة العناصر المكوّنة لها، والظروف المحيطة بأوضاعها، والقوانين المتحكمة فيها، والأسرار المودعة فيها، والمنافع التي تخرج منها، ليتعرف ـ من خلال ذلك كله ـ إلى مواقع قدرة الله في ذلك، ويكتشف أنها لا بد من أن تكون مخلوقةً له، ولو تأمل في انتصابها المرتفع فوق الأرض، لتكون رواسي فيها، حذراً من أن تميد بأهلها بفعل بعض الاهتزازات والمتغيرات والمؤثرات، ليعرف أن ذلك كلّه من تدبير الإله القادر الحكيم.
وربما كان الحديث عن الجبال، في خصوصيتها الوجودية، لما تمثله من ملاذٍ وملجأٍ ومرتعٍ ومنبعٍ ومهابةٍ وجلالٍ وروعةٍ وجمال، بحيث تثير انتباه الإنسان الذي قد يُشغل بالنظرة الساذجة إليها في غفلة الوعي الذي يبحث عن المواقع الخفية للأسرار في ظواهر الكون، فكانت الالتفاتة القرآنية لتتعمق النظرة فتكون نافذةً على المعرفة، لا ملهاةً للنفس.
* * *
كنـوز الأرض
{وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} هذه الأرض المسطّحة، في النظرة الساذجة والأولية، بما يفيده التسطيح من معنى تيسير الحركة عليها، وتيسير سبل الحياة فيها، لجهة ما تختزنه من ينابيع ومعادن وكنوزٍ وأسرار، وما يبدو في ظاهرها من أنهارٍ وجبالٍ وبحيراتٍ وجنائن ومخلوقاتٍ وثرواتٍ وأوضاعٍ متحركةٍ خاضعة للنظام الكوني العام في وجود الإنسان والحيوان والنبات والجماد، لا بما هو شكله الذي هو كرويٌّ في واقع الأمر، لأن القرآن، ليس في مقام إثبات حقيقة علمية فلكية بعيدة عن أنظار المخاطبين وأفكارهم في تلك الفترة، بقدر ما هو في مقام لفت انتباههم إلى ما هو في متناول أنظارهم وتأمّلاتهم وتفكراتهم. ولذا، جاء التساؤل: فهل ينظرون إلى الأرض كيف سطحت، وما هي أعماقها؟ ويتساءلون معها: هل هي كونٌ ثابتٌ على قاعدةٍ ثابتةٍ لا يعرف مداها ولا طبيعتها؟ أو هي كوكب معلّق في الفضاء تماماً كما هي الكواكب المعلّقة في الفضاء السابحة في بحاره؟ وكيف كان ذلك، فهل خلقت صدفةً، أو أوجدها الناس، أو أن الله هو الذي أوجدها وأبدعها وأودع فيها كل عناصر الحياة، مما يحتاج الناس إليه في امتداد وجودهم، مما هو من شروط الحياة، كما يحتاج إليه الحيوان والنبات؟ إنّ ذلك من تقدير العزيز الحكيم.
* * *
الإيمان نظرة فكر لا حالة انفعال
وهكذا تنطلق الدعوة إلى النظر للإيحاء بأن الإيمان ليس حالة انفعال ساذج في الخيالات والأوهام العاطفية، ليتحدث البعض بأنه لا يتناسب مع حركة العقل في الفكر، ومع حركة العلم في إبداع المعرفة في أسرار الواقع، بل هو حالةٌ تتحرك لملاحقة كل الظواهر الكونية والحيوانية من أجل الوصول إلى الأسرار التي تمنح الإنسان المعرفة الإيمانية من موقع النظرة العميقة والفكر الواسع. وإذا أراد الله أن يحاسب الإنسان على إيمانه، فإنه يحاسبه من خلال أنه يملك الحجة عليه لتوفّر كل عناصرها في الكون، ففي كل أفقٍ لمعة من لمعات المعرفة الدالة على الله، وفي كل موجودٍ في الأرض والسماء شاهدٌ على عظمته سبحانه، وفي كل حوارٍ من حوارات العلم المنفتحة على الحقيقة، أكثر من نافذةٍ تطلّ على مواقع الإيمان به، فليست المسألة مسألة مؤاخذةٍ على الفكر في شبهاته الطارئة ومشكلاته العالقة التي لا يملك لها حلاً، أو على القناعة يما يملك عليها من حجة، بل هي مسألة قيام الحجة على الإنسان في عقله الذي يملك أن يصل بالأشياء إلى نتائجها الأخيرة، بحيث يتميز الحق فيها من الباطل، وفي الوسائل الكثيرة التي يصل من خلالها إلى مفردات المعرفة، في ما أودعه الله فيه من الخصائص في عناصر الإحساس من السمع والبصر واللمس والشمّ والذوق، وفي وحيه الذي أنزله على رسله ليبلِّغوه إلى عباده ليتأمّلوا فيه، وليتعرفوا إلى ما يقدمه من فكر، وما يخطط له من منهج، أو يثيره من احتمالات، أو يكشفه من آفاق، ليكون التأمل المتعمق في الفكر والبحث السائر نحو الحقيقة، هما الحجة التي يحتج الله على الإنسان بها، في ما لا يملك أن يرده أو ينكره.
* * *
فذكّر إنما أنت مُذَكر
{فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ} فتلك هي مهمتك، أن تطرح الكلمة التي تهز سمع الناس، لتنفذ إلى عقولهم، ولتفتح في داخلها نافذةً للتفكير في حساب كل تلك الاحتمالات، ليعيشوا قلق المعرفة في مسؤولية المصير، وأن تحرّك الأسلوب الذي يتفاعل مع فطرتهم ومشاعرهم وتطلعاتهم، ليثير اهتماماتهم حول الفكرة التي تقدمها، والخطر الذي يتهددهم، في الأجواء التي يحبونها ويرغبونها ويقبلون على الاندماج فيها، فذلك هو السبيل الأمثل لإخراجهم من الغفلة، وإدخالهم في أجواء التذكر الذي يتذكر الإنسان، من خلاله، مسؤولية وجوده في علاقته بالله، وفي حركة واجباته العملية تجاهه، وفي النتائج الأخيرة التي يكسبها في نهاية المطاف، عندما يقف غداً، بين يدي الله للحساب.
{لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ} فإنك لا تملك في طريق تكوين قناعاتهم أو إقامة الحجة عليهم، إلا جهدك وكلمتك، فإذا بذلتهما فقد قضيت ما عليك، ولم يسلّطك الله على قلوبهم، ولم يجعل مشاعرهم خاضعةً لقدرتك الذاتية، ولم يمكِّن لك الأمر من تغيير ذهنياتهم بطريقةٍ تكوينيّةٍ قسريّة..
* * *
هل تنفي الآية نظرية الحكم في الإسلام؟
وربما حاول البعض من الباحثين أن يستفيدوا من هذه الآية، أن دور النبي هو الإبلاغ والدعوة إلى الله بالكلمة الواعية المذكِّرة، ليأخذوا حريتهم في الإيمان والكفر، ليكون حسابهم على الله، وليس دوره أن يكون حاكماً يتدخّل في قناعات الناس ليحاسبهم عليها، وفي أقوالهم وأفعالهم ليضغط عليهم بوسائله الخاصة والعامة، لينسجموا فيها مع تخطيطه الرسالي في ما يأخذ به الناس من الخطّ في حركة القول والفعل، أو في ما يدّعونه منه. وبالتالي، فإن دور الإسلام من خلال دور الرسول هو دور دعوةٍ، لا دور حكومةٍ وسلطةٍ، فليس للإسلام نظرية في الحكم الذي يتولى السلطة التنفيذية إلى جانب السلطة التشريعية.
ولكننا نلاحظ على ذلك بأنّ هذه الآية عالجت مسألة السيطرة في دور النبي كرسول، في ما يملك من أمر الضغط الذاتي الذي يسيطر فيه على عقولهم ليغيّرها بطريقةٍ ذاتيةٍ تكوينيّة، كما يغيّر الأشياء المادية من صورةٍ إلى صورةٍ، ولم تعالج دوره كحاكمٍ وكوليّ للناس في خط النظام العام الذي يدير به أمر الأمة في كل جوانب حياتها، على ضوء التخطيط الشامل للشريعة الإسلامية التي شرّعت لكل واقعةٍ ـ مهما كانت صغيرةً ـ حكماً شرعياً ينظم لها حركتها في الحياة. ولا بدّ للباحثين الذين يريدون دراسة مسألة الحكم في الإسلام، على مستوى اكتشاف النظرية، أن لا يكون أسلوبهم هو اختيار ما يناسبهم من الظواهر القرآنية، بل عليهم أن يدخلوا في دراسةٍ مقارنةٍ لكل الآيات والأحاديث وحركة التاريخ الإسلامي، ليناقشوا ذلك كله، لتكون النتائج في حجم الحقيقة الموضوعية المدروسة من كل جوانب البحث المحتملة فيها.
وإذا كانت الآية تؤكد أن مهمّة النبي الإبلاغ والتذكير ليكون هذا برنامجاً لكل الدعاة معه ومن بعده، فإن معنى ذلك أنّ عليه وعليهم الاهتمام بتحسين وسائل التذكير، وتحريك ظروفه في الخط الموصل إليه، ثم الإيحاء إليه، وإليهم، بأن عليهم أن لا يتعقّدوا من النتائج السلبية التي تحصل من خلال الأسباب التي لا تقع تحت اختيارهم، في ما يمثله الجمود الفكري، الذي يصرّ أصحابه على الامتناع عن الخروج عنه، أو الرواسب التقليدية التي تشد الناس إليها، فلا يريدون أن يبتعدوا عنها، وإلى المتغيرات الفكرية المنطلقة من خط الرسالة والرسول. إن القضية التي تحكم الدعاة إلى الله، هي أن لا يكون ضلال الآخرين ناشئاً من تقصيرهم في الدعوة، ومن إهمالهم للفرص المتاحة لهم، ومن البعد عن الأخذ بأسباب الثقافات والأساليب التي يمكن أن تحتاجها الدعوة.
* * *
المعرضون عن الذكرى
{إِلاَّ مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ} ربما كان هذا استثناءً من الناس الذين يخضعون للتذكير، وهم الذين يقبلون على سماع الآيات والتفكير بها، والانفتاح على مضمونها الفكري أو الروحي في مواعظها ونصائحها وتشريعاتها وإنذاراتها وتبشيراتها، ممن يمكن أن تتحول الذكرى لديهم إلى واقعٍ عملي في وجدانهم الفكري وفي حياتهم العملية، ولكن المعرضين عن الذكرى، المصرّين على الكفر، المعاندين لله ورسوله من موقع الاستكبار، لا ينتفعون بالذكرى، لأنهم أغلقوا أسماعهم وقلوبهم عنها، فقد لا يحتاج النبي والدعاة من بعده إلى الاستمرار في تذكيرهم، لأنهم لا يريدون الاستفادة من ذلك، ولن يترك الله الإنسان الذي يعرض عن الذكرى ويكفر بالله.
وقيل: الاستثناء من ضمير «عليهم» في قوله: {لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ}، والمعنى: لست عليهم بمتسلط إلا على من تولّى منهم عن التذكر وأقام على الكفر، فسيسلِّطك الله عليه ويأمرك بالجهاد فتقاتله وتقتله.
ونلاحظ على ذلك أن سياق آية {لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ} ليس وارداً في هذا المعنى، كما تقدّم.
وقيل: الاستثناء منقطع، والمعنى: لست عليهم بمسيطر، لكن من تولى وكفر منهم يعذبه الله العذاب الأكبر، وهو محتمل.
* * *
العذاب الأكبر
{فَيْعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأكبر} وهو عذاب جهنم التي أعدّها الله للكافرين {إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ} فسيرجعون إلينا، مهما ارتفعوا إلى آفاق الفضاء، أو نزلوا إلى أعماق البحار، أو طافوا في رحاب الأرض وسهولها وكهوفها وجبالها، لأنهم سوف يواجهون الموت الذي لا بد منه لكلِّ حيّ، وسوف يبعثون ليجتمعوا في يوم القيامة الذي لا تملك فيه نفسٌ لنفسٍ شيئاً والأمر يومئذ لله.
{ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} فنحن الذين نحاسب الخلق على كثرتهم، كما نرزقهم على كثرتهم، وليس لأحدٍ أن يحاسب أحداً على أيّ شيءٍ من أعماله، فليدرسوا مسألة الحساب من خلال مسألة المصير، قبل أن تفوتهم الفرصة التي لا مجال للعودة إليها.
تفسير القرآن