*يتسم الفكر الإسلامي الحديث بالتجريد وقلما نجد فكراً إسلاميّاً حركياً تفصيلياً، كيف تفسرون هذه المشكلة؟ وما هي الحلول الناجعة؟ وعلى الأقل ما هو دوركم في ردم هذه الهوَّة في الفكر الإسلامي؟
ـ أنا لا أوافق السائل على أن الفكر الإسلامي بمجمله تجريدي، فنحن نجد أن الفكر الإسلامي قد عالج كثيراً من القضايا العملية والعلمية بشكل تفصيلي، وقد يكون الفكر الإسلامي الفلسفي تجريدياً، لأن الفلسفة بطبيعتها تجريدية، وهي تمثل عملية تفسير الكون وتفسير الألوهية وتفسير الظواهر وعلاقة الإنسان بالكون، وعلاقة الكون بالله. فهذه الأمور بحسب طبيعتها هي قضايا تجريدية فلسفية، ولكن عندما نجد شخصية مثل الشهيد السيد الصدر (رحمة الله عليه). يعالج المذهب الاقتصادي في الإسلام أو (البنك اللاربوي في الإسلام) فإنه لا يعالجه تجريدياً، إنه يعطي حلولاً عملية، ولكن المسألة هي أن الواقع لا يحتضن الإسلام، فالإسلام لا يتحرك في الواقع، لا من جهة أن الفكر الإسلامي لا ينتظم الواقع، بل لأن الواقع لا يستجيب للفكر الإسلامي ليتجسد فيه.
إن كثيراً من التجارب الإسلامية هي تجارب واقعية، ومنها التجارب الإسلامية الفقهية فهي ترتكز على قواعد فكرية، ويعتبر هذا اللون من الفكر فكراً حياً وواقعياً، وعندما نتحدث مثلاً عن «الإسلام ومنطق القوة» و «الحوار في القرآن» فإن الفكر الإسلامي فيها يتحدث عن نظرية مكرسة للواقع السياسي من خلال نظرته إلى الأحاديث السياسية، ونظرته إلى المذهب العالمي الجديد. فالفكر الإسلامي الآن يتحرك بطريقة ميدانية بحيث يحاول أن يحوّل الفكرة التي تتمثل في الخط العام. إلى حركة في الواقع.
ومن هنا فنحن نعتقد أن المراحل الأخيرة، وقد شاركنا في الكثير من تجاربها، قد واجهت التحديات التي يتعرض لها الإسلام في ساحة الصراع، لقد واجهنا الكثير ولدينا تجارب كثيرة ولست أتحدث هنا بطريقة ذاتية ولكن بطريقة موضوعية حتى صار بإمكان الناس أن يجدوا الفكر الإسلامي يمشي في الشارع ويتحرك مع الناس في حياتهم العملية، لذلك أتصور أن المرحلة الأخيرة التي دخل فيها الإسلام في قلب ساحة الصراع استطاعت أن تعطينا نتاجاً فكرياً إسلامياً بشكل تفصيلي وبشكل واقعي أيضاً.