الأسئلة والأجوبة
الفكرية والثقافية / المدرسة الحركية الواقعية

*إن المتتبع لكتاباتكم أو أطروحاتكم يتلّمس أنكم ترسمون خطاً متميزاً داخل الساحة الإسلامية مما يمكن تسميته بالمدرسة الحركية الواقعية، لكن إصراركم على الموقف السلبي من الفلسفة العقلية والعرفانية يجعلنا نطرح التساؤل التالي: ألا ترون إن هذا الموقف السلبي من جهة، وتمسككم بالظواهر القرآنية من جهة ثانية يوشك أن يحول هذا الخط الواقعي الحركي إلى ظاهرة جديدة؟


ـ في الواقع نحن لسنا سلبيين في المصداق، بل نعتبر العقل حجة اللّه وأننا نؤول النص لمصلحة الحق والعقل القطعي، ولعلكم سمعتم أنني أنقل دائماً بعض الأحاديث التي تقول «إن العقل رسول من داخل وأن الرسول عقل من خارج» لكنني أناقش النظرية العقلية المنطلقة من الفلسفة اليونانية ذلك أن الفلسفة الإسلامية ليست فلسفة «الأسفار» التي هي نتاج الفلسفة اليونانية التي دخلت في الفلسفة الإسلامية من خلال الترجمات التي شاعت في العصر العباسي. ولذلك أقول أن الفلسفة العقلية المنطلقة غالباً من الفلسفة اليونانية لا تمثل القاعدة التي يمكن أن ترتكز عليها العقيدة الإسلامية، فإذا أردنا أن نأخذ عقائدنا الإسلامية فعلينا أن نأخذها من القرآن ولا نأخذها من «إفلاطون» أو «أرسطو» أو ممن تتلمذوا على إفلاطون وأرسطو، نعم إذا كان لدينا ظاهر قرآني قال العقل القطعي بأنه مستحيل فلابد أن نؤول ظاهر القرآن كما في اللغة العربية التي لا تتمرد على التأويل، فإذا قامت قرينة على خلاف الظاهر من بعض النصوص فيمكن أن يكون المراد خلاف ظاهره لكن إذا كان هناك دليل على ذلك كما يظهر من بعض الآيات التي قد نفهم منها «الجبر» {يهدي الله من يشاء}(إبراهيم:4). {يضلّ الله من يشاء}(النور:49). لكن لما قام الدليل العقلي القطعي على استحالة الجبر لذلك أوّلنا هذه الآيات كما في قوله تعالى: {كل شي‏ء هالك إلا وجهه}(القصص:88)، {بل يداه مبسوطتان}(المائدة64)، {يد الله فوق أيديهم}(الفتح:10)، {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة}(القيامة:22). فعندما قام الدليل العقلي القطعي على أن الله ليس بجسم وأنه لا يمكن أن يرى أوّلنا الآيات فيما لا يبتعد عن البلاغة لأن المراد بها مرّة المجاز ومرّة الإستعارة وما أشبه ذلك.
 
كما أنني لا أنكر العرفان، فالعرفان يستهدف تربية النفس من خلال معرفة الله في مقام ربوبيته للخلق كله مقارنةً بمعرفة الإنسان في مقام عبوديته لله وهو الأسلوب الذي تطهرُّ فيه نفسك من كل الرذائل الأخلاقية لتكون إنساناً روحانياً منفتحاً على الله، قريباً منه، ولكنني أقول أن النبي(ص) وأئمة أهل البيت(ع) أرادوا لنا أن نعرف اللّه وأن نهذّب نفوسنا بالأسلوب القرآني الذي يفهمه الناس كلهم، ونحن عندما نقرأ أحاديث النبي وأحاديث أئمة أهل البيت فإنا لا نجد فيها هذا النوع من الاستغراق الفلسفي في المسألة والمصطلحات المعقدة التي قد توحي بأفكار غير مقصودة، ولذلك فنحن في الوقت الذي نقدر فيه الجهد العقلي الذي انطلق به العرفانيون نقول أنهم أوّلوا الآيات تأويلاً صرفها عن بلاغتها وأخرجها عن ظواهرها بدون دليل، وأنّهم جعلوا القرآن كتاباً رمزياً وفي النتيجة فنحن لا ندعو إلى ظاهرة جديدة تعمل بالظاهر كيفما كان ولكنها تعمل بالظاهر ما دام لم يقم دليل قطعي على خلافه، ومشكلة الظاهريين الذين أخذوا بظواهر القرآن إنهم اعتمدوا طريقة ساذجة فقالوا بالتجسيم لأن القرآن ظاهر بالتجسيم، وقالوا بالجبر لأن القرآن ظاهر بالجبر ولم ينظروا إلى العقل القطعي في هذا المجال. ولذلك التزموا بهذه الطريقة ونحن لا نلتزم بها وإني لأرجو من الأخوة عندما أتحدث أن يفهموا كلامي وطبيعة أساليبه والقيود التي أحدّد بها نقدي للنظرية وإيماني بالنظرية.