*ماذا تقولون في الآراء التالية: "التوفيقة بين الأصالة والمعاصرة"؟
ـ صحيح ذلك حيث علينا أن نحتفظ بأصالتنا الفكرية التي نؤصلها ببعض ما نقتنع فيه من قيام برهان عليه، كأصالة العقيدة التي نؤصلها من خلال الحجة القائمة عليها لتكون هي الحقيقة في وعينا المرتكز على الحجة. ثم علينا أن نعيش عصرنا في طريقة العرض وفي طريقة الإخراج وفي إدارة الحوار مع الذهنية المعاصرة، لأن أي إنسان لا يعيش ذهنية عصره، لا يمكن أن يفهم لغة عصره تماماً كما أنك لا تستطيع أن تفهم إنساناً يتحدث بلغة لا تفهمها وأن تفهم إنساناً يتحدث عن ذهنية لا تعيها، لذلك لا بد لنا أن نعطي فكرنا المتأصل وعقائدنا المتأصلة أسلوب العصر وذهنية العصر وحركة العصر، وأن نواجه التيارات المعاصرة من موقع ما تتحرك به من مفرداتها لنردّها لنفس الذهنية ولكن من موقع أصالتها.
(النص الديني دائماً وأبداً حمّال أوجه) إن النص الديني ليس بدعاً من ألوان النصوص فكل لغة يمكن أن تحملها على ظاهرها ويمكن أن تؤوّلها خلاف الظاهر مجازاً واستعارة وكناية وما إلى ذلك، ولكن ليس معنى أن يقبل النص أكثر من وجه أن نحمله على أكثر من وجه، فقد تكون المسألة في هذه الحال فوضى وكيف يفسّر النص على مزاجه وطريقته، فللّغة قواعد في ظهور اللفظ وفي المعنى وفي القرائن المحيطة باللفظ في الأجواء والظروف التي انطلق منها. نعم نحن يمكن أن نؤوّل النص لكن تأويلاً ينسجم مع قواعد اللّغة العربية فيقال مثلاً «رأيت أسداً يصلّي» فهنا كلمة الأسد موضوعة للحيوان الخاص إلاّ أن المقصود هو جهة المناسبة أو الشبه بين هذا الإنسان وهذا الحيوان، فيمكن أن نقول بأن هذه الكلمة أوّلناها وأردنا منها خلاف الظاهر، لماذا؟ باعتبار أن هناك دليلاً يدل عليها وهو الصلاة التي تتناسب مع الإنسان لا الحيوان. ولذلك نقول بأن قابلية النص الديني لأكثر من وجه لا يعني أن نسقطه بحيث يفهمه كل واحد بطريقته.
(فكرنا موروث وسلوكنا مقطوع الصلة بهذا الفكر) ليس كل إرث نحافظ عليه فقد نرث من آبائنا الكثير من أثاث البيت ولكن هناك أثاثاً لا يمثل حاجة لنا أو هو أثاث عصر غير عصرنا لذلك فنحن لا نقدّس كل إرث فكري بل نحن نقدّس الحقيقة الإلهية والحقيقة النبوية التي أثبتت حقيقتها من خلال الثوابت الأساسية وتقدّس ما يتبع النبوّة من إمامة وعصمة، وما عدا ذلك فإن فكر الفلاسفة المسلمين وفكر الفقهاء المسلمين وفكر المثقفين المسلمين فكر بشر ولنا أن نناقش فكرهم وأن ننتقد فكرهم فنحن لسنا مشدودين إلى التراث بمعنى أننا نقدّس التراث. فالتراث فيه المقدّس وفيه غير المقدس فالقرآن، كما يقول الأصوليون، «قطعي السند ظنّي الدلالة» فيمكن أن يفسره شخص بتفسير ويمكن أن يأتي شخص ويقول له قد أخطأت بهذا التفسير ولذلك فنحن لا نتعبّد بتفسير المفسرين لا «إبن عبّاس» ولا «إبن مسعود» فالمفسرون لا يملكون عصمة ونستثني من ذلك تفسير المعصومين(ع)، ولذلك نقول أن التراث موروث ولكننا لا نحتفظ بهذا الإرث بل نحاول أن نناقشه وعلينا أن نحرّك سلوكنا في خط ما يمكن لنا أن نقبله وأن نبقيه من تراث وما يمكن أن نؤصله من حقائق العقيدة وحقائق الفكر.
«نحن فقهاء عصرنا»
نعم علينا أن نعيش عصرنا وأن يكون فكرنا منطلقاً في قضايا عصرنا سواءً في موضوعه أو في خطوطه أو في اتجاهاته، فنحن نبدع للعصر معنى ونبدع له فكراً وليس معنى ذلك أن نخضع لمن في العصر بل أن نكون بإسلامنا القيادة، لا القيادة المستعلية لكن القيادة المفكرة والمثقفة والناقدة والمحاورة وبهذا الشكل يمكن أن نوافق على هذه المقولة.