الأسئلة والأجوبة
الفلسفية والكلامية / الولاية التكوينية

*ما هو أهم إشكال على إثبات الولاية التكوينية للمعصوم، وهل يمكن التصالح بين المنكرين والنافين؟


ـ إن هذه المسألة ليست من المسائل التي هي في صلب العقيدة، كما أن في الولاية التكوينية احتمالات، فيمكن أن يكون المراد من الولاية التكوينية أن الله جعل للأنبياء وللأئمة الولاية الفعلية على تدبير الكون، بمعنى أنهم هم الذين يأمرون الشمس بأن تشرق ويدبرون لها إشراقها وهم الذين يأمرون البحار أن تتلاطم أمواجها وهم الذين يدبرون العالم بما فيه من الكواكب والنجوم بشكل فعلي، هذه الفكرة تقترب من فكرة التفويض، أي أن الله سبحانه وتعالى جعل دفة العالم بأيديهم وفوضهم إدارة الكون. ولا أعتقد أن هناك من العلماء من يقول بالتفويض فهو عندنا مستحيل، وفي القرآن دليل على خلاف ذلك، إن للولاية دوراً تنفيذياً وليس تشريفياً. إنّ مثل هذه الولاية هو كمثل الولاية على الولد، لماذا جعل الله الأب ولياً على الولد؟ إنما ذاك لنقص في قوة الولد فتأتي الولاية الأبوية لتكمل قوته، فهل هناك نقص في إدارة الله تعالى للكون حتى يأتي بالأنبياء ليدبروا له الكون. لا، ليس هناك نقص البتة، وقد يقال أن الولاية التكوينية تعني أن الله جعل الأنبياء والأئمة موظفين مثل الملائكة، وهذا أيضاً مرفوض فالأئمة والأنبياء ليست وظيفتهم إدارة الكون، ويبقى الاحتمال الثالث وهو أن يكون المقصود بالولاية أن الله مكّن الأنبياء من أن يقوموا ببعض الأعمال التي هي خارقة للعادة من قبيل {أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فانفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله}(آل عمران:49)، ومن قبيل: {أبرئ الأكمه والأبرص وأحيّ الموتى بإذن الله}(آل عمران:49). يعني أن الله سبحانه وتعالى أعطى عيسى(ع) القدرة بإذنه وبحسب رعايته أن ينفخ ليجعل الروح في هذا الطين فهي ليست قدرة ذاتية بل بإذن الله الذي خلق في داخل عيسى ما يستطيع به ذلك لاحتياجه إلى ذلك في تأكيد معجزته كما أجرى الله القدير على يد موسى أن تكون عصاه ثعباناً من دون أن يكون لموسى اختيار في الموضوع {وألقِ ما في يمينك تلقف ما صنعوا}(طه:69)، أو كما في قصة (إبراهيم) {يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم}(الأنبياء:69)، أو كما في قصة المؤمن الذي لديه علم من الكتاب {قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتدّ إليك طرفك}(النمل:40)، أي أن الله أعطاه قدرة كما أعطى الأنبياء والأئمة القدرات التي يحتاجونها في نبوّتهم وفي إمامتهم وفي حدود الوسائل التي يمكن أن يستخدموها فيتصرفون بالأشياء في هذه الدائرة، أو تتحرك الأشياء معهم في هذه الدائرة. فإذا كان القائلون بالولاية التكوينية يريدون هذا المعنى فهذا ما يؤمن به كل المسلمين، أما أن يقال أن الله جعل الولاية على الكون بحيث يديرونه فعلياً ويشرفون عليه ويحركونه بأن جعل لهم أن ينقلوا الشمس من المشرق إلى المغرب وأن يزيلوا الجبال فهذا ما لم يقم عليه دليل بل القرآن دليل على خلافها.
ولذلك فإن قريش عندما طالبت بأن يقوم النبي(ص) ببعض الأفعال الإعجازية كتفجير ينبوع من الأرض وما إلى ذلك قال: سبحان ربي كيف تطلبون مني ذلك {هل كنت إلاّ بشراً رسولاً}، أنا بشر وقدراتي قدرات بشر ويوحى إلي، وعندما طلبوا منه أن ينـزل صاعقة قال: هذا ليس بيدي {قل لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسّني السوء}(الأعراف:188)، فهل هذا كلام شخص بيده إدارة الكون كله؟ {قلْ لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك}(الأنعام:50)، ونلاحظ مثلاً {فأوجس في نفسه خيفة موسى، قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى}(طه:67)، ونلاحظ أن إبراهيم(ع) لما رأى الملائكة لم يعرف أنهم ملائكة فذبح لهم ذبيحة وطبخها لهم ورأى أن أيديهم لم تصل إليها فنكرهم وأوجس في نفسه خيفة {قالوا لا تخف إنّا أُرسلنا إلى قوم لوط}(هود:70)، فالله سبحانه أبقى الأنبياء في قدراتهم البشرية، وفي الوقت نفسه أعطاهم العصمة وأعطاهم القدرة على كل شي‏ء يحتاجونه في نبوّتهم وإمامتهم، ولذلك نحن لا نقول بالولاية التكوينية بهذا المعنى لأنه لا دليل عليها، ولا أعتقد أن القائلين بالولاية التكوينية يريدون ذلك. ولهذا نقول حول الصلح بين المنكرين والمثبتين أن المنكرين أنكروا الولاية بالمعنى الذي يؤدي إلى التفويض أو ما يقرب من التفويض، والمثبتين أثبتوا الولاية بنحو المعجزة والكرامة وما إلى ذلك، والصلح سيد الأحكام.