*يقول البعض أن استخدام الدليل العقلي يتنافى مع غيبية الدين والتعبدية فيه، فما هو رأيكم؟
ـ هذا الإنسان يعترض على الله إذا كان يقصد هذا المعنى، لأن الله سبحانه وتعالى استدل على توحيده بدليل العقل {لو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا}(الأنبياء:2)، وهذا يعتبر من الأدلة العقلية القرآنية التي توسع فيها المفسرون والمتكلمون. {إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض}(لمؤمنون:91)، هذا دليل عقلي آخر {وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم، قل يحيها الذي أنشأها أول مرّة وهو بكل خلق عليم}(يس:78ـ79)، فالقادر على الإبداع وعلى الخلق في البداية قادر على الإعادة في النهاية كما قال الإمام علي(ع) وهو يستوحي الآية السابقة: «عجبت لمن يرى أو يؤمن بالنشأة الأولى كيف ينكر النشأة الأخرى».
ذلك أن الإعادة عند غير الله أسهل من الخلق لأن الخلق إبداع ولا مثال، بينما الإعادة تأتي وفق المثال والصورة. واستدل أيضاً بالدليل العقلي على إمكانية المعاد. كما يرى كل المتكلمين بأنه لا بد للنبوة من استدلال عقلي بأن ندرس النبي أو المعجزة التي هي إحدى الوسائل التي تقدم إلى الإنسان ليقارن بين قدرته الطبيعية وما حصل عليه النبي من قدرات غير عادية ليعرف أنه مرتبط بجهة غير عادية وهي الله، إذن نحن نستدل على الغيب بالعقل ولكننا ندرك تفاصيل الغيب بالنقل، فنحن ندرك وجود الله بالعقل، وندرك توحيده بالعقل، ولكن ما هي ذات الله؟ لا ندري! إذن العقل هو الذي يكشف لنا نوافذ الغيب وتبقى تفاصيل الغيب بحاجة إلى النقل، وكذلك الأحكام الشرعية، فلا يجوز لنا أن نحكم بأي شيء {أألله أذن لكم أم على الله تفترون}(يونس:59)، وماذا قال النبي(ص) وكيف نفهمه وهذا الأمر يدخل بتوثيق النص النبوي.
في الدين أشياء تعتمد على العقل ويقول العلماء بأجمعهم أن العقائد لا بد أن تؤخذ بالعقل إذ لا تقليد في العقائد، ولكن التقليد إنما يكون في الأحكام الشرعية وفي بعض تفاصيل العقائد، لذلك يجب أن نفرق بين حالة وحالة.
نعم إذا أردنا أن نعتمد على العقل في مسألة الأحكام الشرعية فقد يكشف العقل عن الحكم الشرعي ولكن ليس دائماً، فالحكم الشرعي يجب أن يؤخذ من الكتاب والسنة وقد نحتاج إلى إعمال العقل لتحليل بعض المسائل في القضايا التاريخية، هل تتفق مع طبيعة الأشياء أو لا، فإذا رأينا أنها لا تتفق بمقارناتها نقول عنها ثابتة أو ليست ثابتة.
من هنا قال العلماء إن علينا أن نناقش في السند وفي المتن.
والمناقشة في السند هي الفرز بين الموثوق وغير الموثوق، والمناقشة في المتن هي الفصل بين المعقول وغير المعقول أو بين المضمون وطبيعة الأشياء وبديهيات الحقائق، فمثلاً عندما يأتينا في القرآن {فيضّل من يشاء ويهدي من يشاء}(إبراهيم:4)، فيجب أن نرجع إلى العقل لنقول: هل إن الجبر مستحيل على الله أو أنه ممكن؟ أي أن الله سبحانه وتعالى يجبرنا على المعصية ويدخلنا النار، هنا يقول العقل أن ذلك غير ممكن وكذا لا يمكن أن يكلفني بالطاعة وأنا غير قادر على الطاعة فهو تكليف بما لا يطاق. وللعقل بعد ذلك مجال في عملية المقارنة والتحليل التاريخي والتحليل بين آية وأخرى وبين حديث وآخر وما إلى ذلك، ولهذا فإن الذي تحدث بهذا الحديث لا يعتقد بدور العقل الكبير في المسائل الإسلامية وخصوصاً العقيدية، ونحن نعرف أن فقهاءنا قالوا أنّ الأدلة الموجودة عندنا أربعة )الكتاب والسنة والعقل والإجماع( ولذا فإن كثيراً من الأحكام الشرعية تثبت بالعقل، فالملازمة بين الواجب وبين مقدمته والملازمة بين الأمر بالشيء وحرمة ضده، والملازمة بين النهي عن الشيء وبين الفساد هي من الملازمات العقلية التي تنطلق بالعقل.