العقل الذي لا يقود للمعرفة:
*إذا لم يصل العقل إلى وجود الله هل يغفر الله هذا خاصة وأن العقل لا يأخذ بالمسلمات؟
ـ هل يمكن أن نفكر بأن عقلاً يحترم نفسه لا يؤمن بالله، إن مسألة وجود الله تمثل العنصر الذي يبرّر وجود الكون، لأننا لو درسنا طبيعة هذا الكون المادية فإننا نجد أن كل مفردة من مفرداته لا تحمل في داخلها جذور حتمية لوجودها. ولكن المناطقة أو الفلاسفة يقولون (أن الممكن هو الذي يكون وجوده ليس ضرورياً وعدمه ليس ضرورياً) يعني لو لم يوجد فلا مشكلة، أي أننا نفرض أن الجبال لم تكن موجودة فهل هناك حتمية تفرض وجودها بحسب طبيعتها، أو كان وجودها ليس حتمياً وعدمها ليس حتمياً فهي يمكن أن توجد؟ ولو انطلقنا للبحار وللأنهار وللإنسان هل يمكن أن يوجد كل هذه الكائنات.. هل وجودها حتمي أم ليس حتمياً، هل عدمه حتمي أم ليس حتمياً.. وهكذا، فإذا كانت كل الأشياء تتساوى فيها فرضية الوجود والعدم فمن الذي يرجّح جانبها الآخر؟ فإما أن تكون الأشياء بحسب طبيعتها تحمل في داخلها حتمية الوجود فنقول أنها حتمية في ذاتيتها.
ثم أن كل الأشياء تتساوى عندما ندرسها في ذاتها من حيث الوجود والعدم، فإن فرضية الوجود تساوي فرضية العدم، فلابد من شيء من خارج ذاتها يغلّب جانب الوجود على جانب العدم. إن هذه القوة هي الله تعالى. هناك من الناس من يسأل عن الله من أوجده؟ هل أوجد نفسه؟ ولو لم يكن الإله لما كان هناك كون لأن فرضية وجود الإله هي التي تبرّر وجود الكون. ونحن نعرف فرضية الكون لأنها تحت تجربتنا، ولكن الله ليس تحت تجربتنا فنحن لا نستطيع أن نقول بأن الله ممكن لأن الله ضروري في تبرير الكون، ولذلك يجب أن يكون الله واجب الوجود، فهو يختزن في داخل ذاته حتمية وجوده، لأننا عندما نريد أن نتسلسل، نقول أن الكون خلقه الله، ولنفرض مثلاً أن هذا الذي نسمّيه الله خلقه شخص وهكذا فلابد في النهاية أن نصل إلى شيء ولا نظل معلقين في الهواء... لا بد أن نصل إلى نقطة الخلق وإلا لا نجد شيئاً، فإذاً لا بد أن يكون الله (واجب الوجود) وكل شيء نتصوره (ممكن الوجود) فهو ليس الله، فالله سبحانه هو الذي نتصوره عندما نمشي مع سلسلة الفرضيات في آخر السلسلة، فلماذا يشك الناس في خلق الله وفي بعض الأحيان يتساءلون من خلق الله؟ لماذا خلقني الله؟ أنا أحتاج إلى خالق، لأن وجودي ليس وجوداً ينطلق من حكمة ذاتية، فلو لم أوجد لما كانت هناك مشكلة ولو وجدت لما كانت هناك مشكلة، لكن الله لو لم يوجد لما وجد الكون. فالعقل لا بد أن يميز من خلال الفطرة السليمة ومن خلال التجارب لأن هناك عقل التجارب، وعقل الذات، وكلاهما ينطلقان من عند الله سبحانه وتعالى لكن البعض لا يستسلم لفطرته ولا يستسلم لدراسة موضوعية للمسألة، فنحن لا نريد أن نقول للعقل سلّم، بل نقول للعقل شكّك في كل شيء، لأن الشك طريق العقل، علماً أن الأسلوب القرآني مع الكفار كان أسلوب الشك {وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين} هذه هي طريقة النبي(ص) في رفضه ومعنى ذلك أن الله يعلّم النبي(ص) أن يكون أسلوبه هو أن يقدم نفسه للطرف الآخر شاكّاً وهو (الذي جاء بالصدق وصدّق به) لكنه أسلوب حوار يشتمل شكاً آخر، فإذا انطلق شكّان يبحثان عن الحقيقة فسيلتقيان باليقين. نحن لا ندعو للمسابقات، ولكن نقول هناك شك سلبي وشك إيجابي والشك السلبي هو شكُّ الإنسان الذي يريد أن يشك ولا يريد أن يتحرك، والشك الإيجابي هو الشك الباحث وهو الشك المتأمل، ولا بد أن يصل إلى نتيجة.
النظر إلى الله:
*إذا كان النظر لله تعالى محالاً فكيف يصدر طلبه من الأنبياء كموسى(ع) في قوله: {ربي أرني أنظر إليك} فهل أن الأنبياء يمثلون القمة في ذلك؟
ـ في الواقع أنه ليس طلباً ذاتياً من موسى ولكن قومه طلبوا منه ذلك ولم يكن له أن يرفض ذلك ويبيّن لهم بأن الله لا يمكن النظر إليه. فالقوم لم يكونوا في المستوى الفكري الذي يسمح لهم بالاقتناع بذلك بحيث يبيّن لهم بالدليل أو البرهان أن الله لا يمكن رؤيته. لذلك أخذ سبعين رجلاً من قومه للّقاء حتى يعيشوا التجربة {قال ربي أرني أنظر إليك} وأجابه تعالى: {لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني}(الأعراف:143)، عرف القوم النتيجة من خلال التجربة الواقعية فالظاهر أنه ليس طلباً ذاتياً من موسى(ع) ولكنه من أجل إقامة الحجة على قومه، ولعل بعض الآيات تدل على ذلك.
العبد مثل الرب:
*ما هو رأيكم في الحديث القدسي المشهور «عبدي أطعني تكن مثلي تقول للشيء كن فيكون»؟
ـ فيما أفهمه من هذا الحديث فإنّ الله يقول للإنسان أطعني فإنك إذا أطعتني قربت إلي وإذا قربت إلي كنت مهيئاً لأن أعطيك ما تريد، فأنا على كل شيء قدير، ومن الممكن أن أجعلك تقول للشيء كن فيكون، كما جعلت ذلك لعيسى(ع) عندما كان يبرئ الأكمه والأبرص والأعمى بإذن الله ويحيي الموتى بإذن الله…، فمن الممكن جداً أن الطاعة تستلزم ذلك أي الحصول على هذه القدرة، ولكنها قد تكون كناية عن أن الإنسان يجب أن يطيع الله كما أطاعه بقدرته (كن ولياً لله) ومن كان ولياً فإن الله يمكن أن يعطيه القدرة التي يستطيع بواسطتها أن يقول للشيء كن فيكون، لكن ليس من الضروري أن يكون تعبي (مثلي) دقيقاً لأنه حتى الأنبياء عندما يمارسون ذلك فإنهم يمارسونه بإذن الله {أبرأ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله} {ليس كمثله شيء}.