القضاء والقدر:
*ما رأيكم في مسألة القضاء والقدر؟
ـ في المصطلح: (القضاء) هو حكم الله في حركة الكون وحركة الناس، و(القدر): هو هندسة الله للكون {إنّا كل شيء خلقناه بقدر}(القمر:49).
ولكن في الواقع قد يقول قائل أن المشكلة ليست أن تفسر الكلمة كمفهوم لكن هل معنى ذلك أننا لسنا مختارين؟ هل معنى ذلك أننا إذا هُزمنا نقول إن هذا هو قدرنا وهذا هو حكم الله؟، وهل معنى ذلك أننا إذا فشلنا نقول إن الله قدّر لنا ذلك.
إن الله يهندس الكون والأحداث والتاريخ والمجتمع، ويهندس حركة الإنسان بالأسباب التي أودعها فيه. فكما قدر الله للشمس أن تشرق بطريقة خاصة وتغرب بطريقة خاصة هكذا أيضاً قدّر لنا الموت بأسباب الموت وقدر لنا الحياة في حركتها، وإرادة الإنسان في كل ما يتحرك فيه، فالإرادة سنّة من سنن الله في الإنسان، فالله جعل كثيراً من قدرنا بيدنا نحن الذين نصنع قدرنا، ونحن الذين نصنع الهزائم عندما لا نأخذ بأسباب النصر التي بين أيدينا، ونحن الذين نصنع الانتصارات عندما نحرك أسباب النصر التي في أيدينا. فالله جعل قانون السببية للأشياء في تقديره للحوادث وجعل إرادة الإنسان عنصراً محركاً للواقع في سلبياته وإيجابياته فإذا أخذ الإنسان بالسبب كان السبب وهو القدر نتيجة طبيعية في الواقع وهذا ما ذكره الله في كتابه {ظهر الفساد في البّر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم راجعون}(الروم:41).
وقال تعالى: {وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون}(النحل:112)، {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم}(الرعد:11).
غير نفسك تغيّر التأريخ، وتغير الأمة نفسها، بل وتغير تاريخها! وبناء على كل ذلك فنحن الذين نصنع قضاءنا وقدرنا فيما أوكله الله إلينا من عملية صنع القضاء والقدر الذي ينطلق من أسبابه الطبيعية، لذلك هناك قضاء وقدر جعله الله باختيارنا وجعل إرادته منطلقة في خط إرادتنا من خلال تنظيم الكون، وهناك قضاء وقدر ينطلق من خلال غيب الله أو من خلال الأسباب الخارجة عن إرادتنا فلابد لنا أن نخضع لها ونتحرك من خلال، موقع الرضا بقضاء الله وقدره الذي لا نملك له رداً مع إنه جار على طبق الحكمة.
عقيدتنا في القضاء والقدر:
*ما هي عقيدة الشيعة الإمامية في القضاء والقدر؟
ـ إن عقيدة الشيعة في القضاء والقدر، فيما نعرف من هذه العقيدة، هي أنّ الله سبحانه وتعالى يعلم كلّ شيء قبل أن يخلق الأشياء، ولكن اللّه سبحانه وتعالى عندما يعلم الأشياء فإنه يعلمها بأسبابها، فهو يعلم مثلاً أن فلاناً سيموت بحادث سيارة أو برصاصة وأن فلاناً سيرزق من هذا السبب، والله يعلم أن هناك حربا ستنشب من خلال العناصر الموجودة، فالقضاء والقدر لا يلغي إرادة الإنسان.
إنّ القضاء يعني أن الله يحكم في عباده وفي حركة الكون من خلال سنّته التي تربط الأشياء بأسبابها، وهكذا عندما يقدّر الأشياء. فالقدر هو هندسة الكون بحسب الوسائل التي تنطلق بها الأشياء، ولذلك فحينما يقول بعض الناس بأن المكتوب لا مهرب منه فإنهم يعطّلون دور الإرادة في حين أنّ الله كتبه على أساس علمه أنني سأفعل كذا وسيحدث كذا، لذلك فإن القدر لا يلغي إرادة الإنسان. إنّ الله سبحانه وتعالى يقضي ويقدر الأشياء بأسبابها التي أودعها في الكون ومن الأسباب التي أودعها في الكون هي إرادة الإنسان {إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}(الرعد:11)، {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا}(الروم:41). فالله سبحانه وتعالى يقضي ويقدر بما نكسب نحن وفيما يتعلق بأعمالنا واختيارنا، وقد يقضي ويقدر بأشياء خارج اختيارنا ولكنها مربوطة بأسباب الكون كما يقدر جلّت قدرته أن المطر سينزل عندما تتحرك بعض العناصر التي تفرض المطر، فالله قضى بأن ينزل المطر لكن بسببية الكون، فالقضاء والقدر، لا يلغي السببية لأن الله أراد للكون أن يتحرك من خلال سننّه.
الإيمان بـ(البداء):
*ما هو الفرق بين الذي يؤمن بـ(البداء) وبين الذي لا يؤمن به، وما الذي يترتب على ذلك في الآخرة؟
ـ نحن لا نعتقد بالبداء الذي يعني أن الله يريد شيئاً ثم يغيّر رأيه في الموضوع وهذا كفر، فالبداء بمعنى الإبداء يعني أن الله قد يظهر شيئاً لا يريده في الواقع لمصلحة حتّى يخيّل للناس أنه يريده، ثم بعد ذلك بعد أن تتحقق المصلحة، يظهر الله الواقع، كما في قصة ابراهيم(ع)، فالله أظهر لإبراهيم أنه يذبح ولده ولذلك أمره في المنام ولم يفصّل القضية. فلماذا قال: {قد صدّقت الرؤيا}(الصافات:105). وهو قد رأى في المنام أنه يذبحه وأنه يقوم بمقدمات الذبح، فالله أظهر له ذلك حتى ينطلق إلى الموقف بالتضحية التي تمثل قدوة للآخرين. لأن الله لو أمر إبراهيم(ع) بتمثيل القصة لانعدم الحماس لديه ولانعدمت روح الإخلاص، ولما كان لإسماعيل روح الطاعة، والله سبحانه أراد من جهة المصلحة أن يظهر إخلاصهما ليكونا قدوة للأجيال كلها. لهذا أظهر لهما المصلحة ثم بعد ذلك كشف القضية بقوله: {وفديناه بذبح عظيم}(الصافات:107). وبكلمة واحدة فليس من المعقول أن يغير الله رأيه، فإن المراد من البداء الإبداء {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب}(الرعد:39)، يعني أن الله قد يظهر شيئاً للناس لمصلحة ثم يمحو ذلك ويظهر ما يريد، عندما تنتهي المصلحة في هذا المجال.
فسخ العزائم:
*سُئل مولانا الإمام علي(ع) بماذا عرفت ربّك؟ قال(ع) «بفسخ العزائم ونقض الهمم فلما هممت حيل بيني وبين همي ولما عزمت خالف القضاء والقدر عزمي فعرفت أن المدبّر غيري»، نرجو أن تشرحوا هذه المقالة؟
ـ يعني لو كانت المسألة من المسائل التي يمكن للإنسان أن يستقل بها بحيث تكون إرادته هي كل شيء وأن تكون حركته كل شيء فلا حاجة إلى الله، أو لا يكتسب وجود الله القيمة المطلوبة، فالإنسان موجود في هذا الكون، ويعمل كل شيء بإرادته وبحركيته من دون حاجة إليه، ولا بد أن يستمر على ما أراد وعزم ما دامت الإرادة كل شيء في السبب أمّا أن ينطلق الإنسان ليضع الأشياء بعزم فيشعر بأن عزمه تبدّل أو تبدّلت اهتماماته، وما إلى ذلك من دون أن يجد هناك سبباً، عندها يعرف أن هناك قوة خفية تتصرف في الكون لتنظمه ولتجعل الإنسان حتى في اختياره إنساناً يتحرك ضمن النظام الكوني من دون أن يستطيع باستقلاله أن يخرق هذا النظام.