*نحن نعيش حالة غليان حقيقية بسبب ما يجري في ساحتنا من كلمات نتناول فيها بعضنا بعضاً، فكيف نعيش حالة الهدوء في مثل هذه الأجواء لكي نفكر بهدوء؟
ـ كما أن الماء عندما يغلي يمكن أن يتحوَّل إلى مشكلة، وربما يفجر الإناء الذي هو فيه، فلكي نبرّده علينا أن نضيف له ماءً، كذلك علينا أن نبرّد حالة الغليان العقلي، فكل غليان سياسي أو اجتماعي أو ثقافي أو عاطفي، إذا لم تضف له شيئاً من العقل الّذي هو بمثابة الماء البارد، فإنه سيفجّر الإناء الذي هو فيه، والمجتمع الذي هو فيه.
فنحن بحاجة إلى العقل البارد، فالعقل الحارّ يخلّف أبخرةً، والأبخرة تحجب الضوء والحقيقة، خصوصاً إذا كان البخار غليظاً، لذلك فحلُّ المسألة هو في أن يكون لنا تقوى العقل والفكر ووعي الواقع.
علينا أن نتأمل في آية واحدة {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ}(الصافات:24)، فكل كلمة تتكلمها، وكل عمل تقوم به، وكل تصرف يصدر عنك، يجب أن تفكر في أنه قد تكون آخر كلماتك، وقد يكون آخر مواقفك، فعندما يأتيك الموت وأنت على هذه الحالة، فهل تستطيع أن تقدِّم جواباً لربك عن كلّ ما قدّمته {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا}(النحل:111)؟ يمكن أن تقول لي إنني قصدت الخير، ويمكن أن أقول لك إنني قصدت الإصلاح، ولكن من يعرف النية الحقيقية للآخر، ولكن ماذا تفعل أمام من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور؟ ماذا تعمل يوم تبلى السرائر، {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ للهِ}(الانفطار:19).
أيها الأحبة: إننا ابتعدنا في السياسة والجدل البيزنطي عن أن نعيش الروحانية، فحتى حينما نقرأ دعاءً، فإنّنا لا نحاول أن نفهمه أو أن نعيشه بروحنا، وعندما نصلِّي، نصلِّي ونحن نطوف في جولة حول العالم، حتى إذا قلت(السلام عليكم)، تكون قد أكملت جولتك حول العالم.
ليس لدينا روحانية ولا خوف من الله، هذا الخوف الذي يلفُّ قلبك ويقيِّد مشاعرك وأحاسيسك...
فأنا أخشى أن يكون ديننا قد أصبح شكليات وشعارات وكلمات، بحيث تجد قلوبنا مفتوحة للعصبيات والأنانيات وللشيطان ليسَ إلاَّ!
لذلك أيها الأحبة، يلزم أن نعيد النظر في تركيبتنا العقلية وتركيبتنا العاطفية وتركيبتنا الروحية، لعلَّنا نشعر بأنّ هناك خطأً ما في هذه التركيبة هو الّذي يدفعنا إلى ما نحن فيه من هذا الضياع ومن هذه الغيبوبة في الأمور الصغيرة.