الأسئلة والأجوبة
الفلسفية والكلامية / ثابت العقيدة ومتحوّلها

*الإمامة من خلال المنظور الشيعي، تمتلك رصيداً كبيراً من الأدلة، ما يجعلها حقيقةً قطعيةً، فكيف جاز تصنيفها في دائرة المتحول النظري؟


ـ هذا السؤال ينطلق من بحثٍ نشر في مجلة «المنهاج»، وهو عبارة عن محاضرة أرسلتها إلى «الجماعة الإسلامية لشباب أمريكا وكندا» قبل سنتين أو ثلاث سنوات، وكنت أحاول أن أقسّم الأمور التي تدور في واقع المسلمين في العقيدة والشريعة إلى قسمين: قسم نظري وقسم ضروري بديهي، وهو قسم لا يناقش المسلمون فيه مع بعضهم البعض لأنهم اتفقوا عليه، كالتوحيد، والنبوة، والمعاد، ووجوب الصلاة، ووجوب الصوم، ووجوب الحج، وما إلى ذلك.
هذه أمور تسمى بالمصطلح «الثابت»، يعني الأشياء الثابتة في وعي المسلمين، بحيث لا يناقش المسلمون بعضهم بعضاً فيها، وهناك أمور لم يتفق المسلمون عليها، وجعلوها موضعاً للأخذ والرد، فلكّلٍ وجهة نظر يقتنع بها، مثل الإمامة وتفاصيل الصلاة وتفاصيل الحج والحسن والقبح العقليين وما إلى ذلك، مما اختلف فيه المعتزلة والأشاعرة والشيعة والسنة والفقهاء بعضهم مع بعض.
فهذه، بحسب المصطلح، يطلق عليها كلمة "النظري"، أي الشي‏ء الذي يحتاج إلى استدلال، ويطلق عليها كذلك كلمة "المتحوّل"، وهو الشي‏ء الذي يمكن أن يحوّل فيه الإنسان، بحسب طبيعته، حركة الاستدلال من موقف إلى آخر.
وقد يطلق عليه اسم "المتغير" أيضاً، باعتبار أنه مما يمكن أن يتغير بحسب وعي الناس له.
فنحن نرى أن الإمامة ثابتة بدليل قطعي عندنا، ولو تأمّل به الآخرون لكان قطعياً عندهم أيضاً، لكن الآخرين لم يحصلوا على هذا الاقتناع، إما لشبهةٍ أو لعناد أو لشي‏ء من هذا القبيل. فليست الإمامة متحولاً فعلياً، بل هي متحول شأني. ومعنى "متحوّل شأني"، أي قد لا يمكن لشخص يرى الإمامة ثابتةً أن يقنع بها من لا يرى ثبوتها، فيتحول ذاك من رأيه إلى رأي هذا، فالموضوع بحسب طبيعته قابل لهذا، وإن كان في الواقع لا يصل إليه.
إذاً هناك أشياء اتفق المسلمون عليها، فلا يتناقشون فيها، ولا يمكن أن يتحول أحد فيها من طرف إلى طرف، لأنه ليس هناك طرفان. أما الأشياء التي يتنازع فيها الطرفان، طرف له وجهة نظر وطرف له وجهة نظر مغايرة، فيمكن للطرف الذي له وجهة نظر في الخلافة أن يقول أنا أقطع بالخلافة، فيقول الآخر: هات دليلك! ومن خلال الأدلة يمكن أن نصل إلى الحق والحقيقة.
لذلك أنا لا أجد أن هناك أية مشكلة في هذا المقام، فالمسألة تنطلق من قناعتنا المبنية على أدلة قطعية، ولكن ليس من الضروري أن يكون ما هو قطعي عندك قطعياً عند الآخر. فليس المراد بالمتحوّل أنه الشي‏ء المتحوّل فعلاً، وإنما الشي‏ء القابل لأن يتحول باعتبار أنه موضع الخلاف وكل موضع خلاف قابل لأن يتحول من خلال طبيعته النظرية، وليس من الضروري أن يكون التحول فعلياً كما أسلفنا.