*ما فائدة وجود المتشابه في القرآن؟
ـ ليس المتشابه هو المجمل الذي لا يحمل معنى ظاهراً، فالله لا يحدّث الناس بالمجملات، لأن الله جعل القرآن نوراً {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ}(المائدة:15). وجعله {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}(البقرة:2). وإذا كانت الحروف المقطَّعة مما يختلف الناس فيها، فليست في عمق القرآن وفي خط الهداية، وإن كان لها بعض الإشارات التي قد توحي ببعض المعاني.
إن المتشابه هو اللفظ الذي يمكن أن تحمله بحسب ظاهره على معنى غير المعنى الذي يراد، لأن في اللغة العربية حقيقةً ومجازاً، والقرآن قد يتحدث عن الشّيء على نحو الاستعارة، وقد يتحدَّث على نحو الكناية، فيُخيَّل إلى بعض الناس أن الله يريد المعنى الحقيقي، ولكن الله يريد معنى آخر، بدليل آية أخرى، فمثلاً: إذاً بعض الناس قالوا بالتجسيد (إن الله جسم)، وأننا سنرى ربنا يوم القيامة... لماذا؟ لأن القرآن يدلُّ على ذلك {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}(القصص:88)، {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}(المائدة:64)، {يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}(الفتح:10)، {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}(القيامة:22ـ23)، {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}(الفجر:22).
إذاً فالقرآن يتحدث عن الله على أنه يأتي، وأن الناس تنظر إليه، وأن له يدين، وأن له وجهاً، وهكذا قالوا بالتجسيد، ولكن ما جاء في هذه الآيات جاء على نحو الكناية.
ألا نقول «يد الدولة طويلة»، فاليد الطويلة كناية عن السلطة والقوة. ألا نقول: «فلان صاحب الأيادي البيضاء» فكم يداً له؟ والمقصود كناية عن العطاء، باعتبار أن اليد هي وسيلة العطاء غالباً، فيعبَّر عن العطاء باليد، وهكذا الوجه هو الذات {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}، {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ}(البقرة:115). هل يعني ذلك وجه الله؟ كلا، بل الوجه كناية عن الذات.
فمن أين عرفنا أنّ هذه الألفاظ جاءت على نحو الكناية أو الاستعارة من قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ}(الأنعام:103). إذاً، قوله تعالى: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}(القيامة23)، أي ناظرة إلى عظمة ربها، وإلى قدرته وجلاله، فليس النظر إليه بالذات، لأنّه ليس بجسد {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}(الشورى:11).
ولذلك فإنّ الآية المحكمة تفسِّر الآية المتشابهة، أي أنّ الآية التي لها ظاهر يمكن أن يكون ظاهراً دالاً معنى غير المراد، لأن المعنى قد يراد على نحو الاستعارة، بخلاف الظاهر، ولذلك بلحاظ دليل آخر، وهذا أمر مستعمل في اللغة العربية، ألا نقول: «رأيت أسداً يصلي»، وكلمة الأسد للحيوان المفترس، وهو لفظ خاص، ولكنها استعيرت للرجل الشجاع.
فليس المراد، والله العالم، من المتشابه ما لم يكن ظاهراً في المعنى، بل المراد منه ما يكون له ظاهر يدل على شيء، ويكون المراد غيره، فيشتبه على بعض الناس، حيث يحملونه على ظاهره من دون أن يلتفتوا إلى الدليل الذي يدل على إرادة غير الظاهر.