*قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}(الأحزاب:72). يصف الله سبحانه وتعالى الإنسان بأنه ظلوم جهول، فكيف يحمِّله الأمانة؟
ـ المراد بالأمانة؛ والله العالم، حسبما جاءت به التفاسير، هو المسؤولية، أي التكليف، أي أنَّ الله وعلى نحو الكناية، قال للسموات والأرض أن تتحمل مسؤولية وجودها وحركتها، بحيث تحاسب على ذلك، وقال للجبال أن تتحمَّل مسؤولية نظامها الذي يحكمها، بحيث تحاسب عليه، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وقلن، يا ربنا أنت الذي نحن له خاضعون، وأنت الذي تنظِّم لنا وجودنا وحركتنا، فنحن لا نستطيع أن نتحمَّل مسؤولية إدارة نظامنا في كلِّ وجودنا، فقد ننحرف، وقد نتعرض لعقابك، ونحن لا نتحمَّله.
أمَّا الإنسان، فإنه بما أعطاه الله من عقل وإرادة، ضرب على صدره وقال: أنا لها يا ربِّ. ولكن الله يقول إنَّ الإنسان لم يفِ بذلك، فلقد ظلم نفسه في بعض مواقعه بالكفر، وظلم نفسه بالانحراف، وجهل نتائج المسؤولية التي يقدم عليها، أو حجم هذه المسؤولية، فالأمانة ليست حكماً على الإنسان كلِّه بالفعلية، ولكنها حكم على طبيعة الإنسان التي انطلقت في حمل المسؤولية، ولكنها انحرفت عنها جزئياً تارةً، أو كلياً تارةً أخرى.