*كيف نوفِّق بين قوله تعالى: {أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ}(الفتح:29)، وبين قوله تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}(آل عمران:159)، وقوله: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(العنكبوت:46)؟
ـ ليس هناك تماثل بين الآيات في الاتجاه ليكون هنا تضادُّ في المعنى، فالشدّة في {أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ}، ليست في مقام الدعوة، بل هي الشدة في مقام الصراع وفي مقام ساحة الحرب في المواجهة والموقف، فالله يقول: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ}(الفتح:29)، يعني أنّهم عندما يقفون أمام الكفار، فإنهم يقفون في مواقع الشدّة الحاسمة، حتى يقتلوا الكفر من خلالِ قتلِ الكافر، وحتى يهزموا الكفر من خلال هزيمته، فالشدّة على الكفار هي من خلال الشدّة على الكفر. لذلك فموقف الحرب موقف المجابهة، وهو غير موقف الدعوة والمعاشرة التي توحي به الآية الكريمة: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}(آل عمران159)، فهذه الآية واردة في مقام المعاشرة والمعاملة والدعوة، وكذا قوله تعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(النحل:125)، أي استخدم الأسلوب الأحسن عندما تخوض حواراً مع الكفّار، ولا سيما أهل الكتاب {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(العنكبوت:46).
فهذه الآية تتعرَّض لأسلوب الدعوة والمعاشرة والجدال والمحاورة. فموقع {أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ} هو ساحة الصراع، وموقع {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} هو ساحة الدعوة، وثمة فرق بين الموقعين.