*لقد قلتم يجب أن نعيد قراءة التاريخ، فما هو المنهج لقراءة التاريخ، مع علمكم أن التاريخ مليء بالإشكالات؟
ـ عندما نقرأ التاريخ فهناك شرط مهم وهو أن نوثق التاريخ، بأن ندرس المؤرخ هل هو موثوق أو أنه إنسان يتعصب لما يتحرك فيه بنحو لا يحفظ حقوق الآخرين. هل هو إنسان يحمل مسؤولية الكلمة أو إنسان يريد أن يجمع الأخبار كيفما كان ليكبر عند الناس بذلك، ففي البداية لابد أن نعرف هل حدث هذا التاريخ أو لم يحدث؟
هل صحيح أن القوم الذين يحدثنا عنهم هذا المؤرخ أو ذاك قاموا بما قاموا به؟ هل ساروا بهذا الاتجاه أو لم يسيروا فيه. فالمهم أن تبحث هل أن هذا التاريخ حدث أم لم يحدث ثم تناقشه بعد ذلك، العنه أو قدّسه أو أرفضه، فلا بد أن نتعرف ماذا في التاريخ أولاً. فقد أثبت كثير من العلماء المحققين ومنهم صديقنا الباحث الجليل العلامة السيد "مرتضى العسكري" (حفظه الله وعافاه) وهو من الشخصيات الرائدة في التاريخ الإسلامي، أثبت أن كثيراً من حوادث التاريخ التي يرويها "الطبري" وغيره عن "ابن سبأ" كانت منقولة عن (سيف) الذي يقول فيه المؤرخون أنه من الوضاعين ومن الكذابين ومن الزنادقة..
النقطة الثانية: أن نحاكم التاريخ، فعندما تنقل لنا قضية لابد أن ندرسها من خلال الظروف المحيطة بها، فهناك روايات عن قصص مختلقة لم يحسن رواتها صناعتها، ففي مثل هذه الحالة لا بد أن نحلل هذه القصة أو تلك القصة من خلال الظروف الموضوعية المحيطة بها، ذلك أنك عندما تضعها في ظروفها الموضوعية فإنك تشعر أنه لا يمكن أن تحدث، نعم عندما تفصلها عن ظروفها الموضوعية فقد تجد أنها قد تحدث، لذلك فلا بد أن "نحلل التاريخ" وأن "نحاكم التاريخ"، لأن بعض الأشياء التي تنقل قد لا تكون معقولة في حجم الظروف المحيطة بها. فلربما يأتي التاريخ بحدثين متناقضين أي أن هذا المؤرخ ينقل شيئاً وذاك ينقل شيئاً مناقضاً، فلابد أن نقارن بين مضمون التاريخ عند هذا ومضمون التاريخ عند ذاك، لنعرف كيف نرجّح أحدهما على الآخر أو كيف نجمع بينهما.
وعلى هذا الأساس فعندما نطلب قراءة التاريخ من جديد ودراسته من جديد فإن ذلك يفيدنا في حل الكثير من التعقيدات، فعندما تقرأ تاريخاً كاذباً فلربما تتخذ مواقف محددة لمصلحة هذا التاريخ في واقعك بحيث تملك واقعك وتوجهه حسب المنظور التأريخي للرواية أو الحادثة غير الصحيحة. إننا نتاج هذا التاريخ أو نتاج قصص هذا التاريخ، فذهنيتنا تربّت على ما نسمعه من هذا التاريخ وعندما لا يكون مانسمعه دقيقاً في معناه فلربما ينطلق به الوضاعون، والكذابون والمغالون ومعنى ذلك أننا نصوغ شخصياتنا من خلال صياغة ذهنياتنا على أساس أشياء لا واقع لها، وهذا الحكم خطر جداً. لكن مشكلتنا أن كثيراً من الناس الذين يألفون شيئاً يرفضون أن يتركوا ما ألفوه على طريقة المتنبي:
خلقت ألوفاً لو رجعت إلى الصبا لفارقت شيبي موجع القلب باكيا
إن الألفة تجعل الإنسان يحب الشيء الذي ألفه، بحيث يتحول إلى جزء من ذاته، ولذلك تجد أن الناس عندما تحدثهم عن نقد تاريخي لبعض الأشياء يتحركون بطريقة غير عقلانية ولا يقبلون نقاشاً حول هذا الموضوع أو ذاك، لأن الإنسان لا يريد أن يترك ما ألفه ليعيش في غربة من خلال ذلك. وليس من الضروري أن يكون ما تألفه صديقاً جيداً، فقد تألف إنساناً لا يحمل لك الخير ولكنه يعيش معك، كما قد نألف المرض وربما يستوحش الإنسان عندما يزول المرض عنه لأنه عايشه لمدة طويلة، ولكن هل نقدس المرض؟!
إننا نقدس الكثير من أمراض التاريخ وأمراض الحاضر!!