الأسئلة والأجوبة
التاريخ والسيرة / العودة إلى التراث

*عالمياً هناك عودة للتراث، فبماذا تفسرون هذه الظاهرة، وبماذا ستثمر عنها من منعكسات على الواقع الإسلامي الشيعي؟


 ـ إن التراث هو ما تركه الماضي، وفي الماضي تراث لا يمكن للماضي أن يؤطّره بإطاره لأنه يمثل الحقيقة، والحقيقة لازمن لها. أمّا القرآن فليس تراثاً، إنما هو كلام الله تعالى، وهو تماماً كالكون ينطلق بالإنسان فلا ماض ولا حاضر ولا مستقبل، إنه هو الحقيقة التي تفرض نفسها على الزمن كله، وهكذا فإن ما ثبت عن رسول الله(ص)من السنّة سواءً جاءنا من رواة أو جاءنا من أئمة أهل البيت(ع) فهو قول رسول الله(ص)، وهو يمثل الحقيقة، وهناك تراث تركه لنا العلماء والمثقفون والمفكرون، ونجد أن المفكرين قد اختلفوا في تفسير هذه الآية أو تلك من دون أن يرمي أحدهم الآخر بالكفر لأنه خالف تفسيره، ذلك لأن القرآن هو نص عربي وقد يفهم منه إنسان شيئاً وقد يفهم منه إنسان شيئاً آخر، لذلك فإن فهم العلماء للقرآن ليس مقدساً، ولذلك أيضاً يقول الأصوليون بأن القرآن قطعي السند ظنّي الدلالة» بمعنى أن دلالته قابلة للجدل، بحيث يمكن لإنسان أن يدّعي أنه يفهم القرآن بهذه الطريقة فيما يدعي آخر أنه يفهمه بطريقة أخرى.
فلو ثبت لدينا من رسول الله(ص)ن ثابت بأن تفسير هذه الآية أو تلك على النحو الوارد لكانت الحقيقة، ولو ثبت عندنا من أئمة أهل البيت(ع) بما لا يقبل الشك تفسير للقرآن فتلك هي الحقيقة. لكن عندما ينطلق العلماء في تفسير كتاب الله فيمكننا أن نقدم تفسيرا غير تفسيرهم، فالمسألة هي كم ترك الأول للآخر.
وهكذا فيما أنتجه الفلاسفة المسلمون، وفيما أنتجه المفكرون المسلمون، وفيما أنتجه العلماء المسلمون، نقرأه بوعي ونناقشه ونحاكمه، فما ثبت عندنا أنه الحقيقة في قناعتنا نأخذ به، وما لم يثبت لا نأخذ به.ولذلك نحن ندعو إلى قراءة تراثنا الإسلامي كله، والشيعي بشكل خاص. وكما ندعو كذلك إلى قرائته بطريقة علمية، فعندما يتعلق التراث بمسألة فلسفية فعلينا أن ندرسه بالطرق الفلسفية، وعندما يتصل التراث بقضية تاريخية فعلينا أن نفكر فيه بطريقة النقد التاريخي، وعندما ينطلق التراث بأفكار تتعلق بالفقه أو بالاجتماع أو بكثير من مفاهيم الحياة والسياسة والاقتصاد فعلينا أن نحاكم كل مفردة من مفردات هذا التراث بالطريقة العلمّية التي تفرضها القاعدة النقدية في المسألة الفقهية والفلسفية والأصولية والتأريخية؛ لأن إبقاء التراث من دون دراسة، خاصة وأن في التراث الغث والسمين وفي التراث الخرافة والحقيقة، وفيه الحديث الموضوع الذي لم يثبت عن رسول الله(ص)وأهل بيته(ع) وفيه ما ثبت، ولذلك علينا أن نميّز بين الحقيقة والخرافة وبين الحق والباطل من موقع القواعد العلمية التي تواجه القضايا بعقل موضوعي علمي بارد يحاكم القضايا بطريقة مسؤولة من الناحية الفكرية.