*في محاضرتكم في مؤتمر «السيرة النبوية» جاء أن السيرة ضرورة لأنها تقدم لنا برهاناً حياً مجسّماً متحركاً في واقع الحياة، فالسيرة ترجمان القرآن، ومن جهة ثانية أكدتم أنه لابد من الانطلاق من القرآن لفهم السيرة، وأن مرجعية القرآن أساس قراءة السيرة فكيف تفرّقون بين الرأيين؟
ـ إن السيرة المقصودة ليست هي «سيرة ابن هشام» وليست «السيرة الحلبيّة» بل السيرة هي سيرة النبي، كيف كان يعيش وكيف كان يدعو وما هي أساليبه وما هو منهجه وما هي علاقته بالناس وما هي علاقة الناس به، كيف حارب وكيف سالم، من أين نعرف سيرته التي لاغبار عليها..؟ من القرآن الكريم، لأن الله هو أصدق القائلين ولأن الله يعرف رسوله بما لا نعرف به رسوله، ولأن الله كان يتابع بالقرآن حركة الرسالة فالقرآن على ضوء ذلك كتاب الرسالة، وهو كتاب السيرة التي هي رسالة أيضاً فلقد كان القرآن ينزل عندما كان المسلمون يعيشون قضاياهم ومشاكلهم وأوضاعهم ولو سألنا: لماذا أنزل الله القرآن نجوماً ولم ينـزّله جملة واحدة؟.
قال تعالى: {وقال الذين كفروا لولا نزّل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك}(الفرقان:32). فعندما يعيش المسلمون مشكلة أو عندما يقعون في خطأ، أو عندما يواجهون حالة صراع، ويتساءل البعض منهم، أين الحل؟ ينزل القرآن ليحرّك الحل في المشكلة على الطبيعة.
لذلك كان القرآن كتاب الحركة الإسلامية، ولذلك نقول دائماً بأنه لا يفهم القرآن إلا الحركيون، ولا أقصد بالحركيين الحزبيين وإنما الذين يعيشون الإسلام حركة ولا يعيشون الإسلام جموداً والذين يعيشون كما عاش رسول الله(ص)فلقد كان يدعو إلى الله وكان يجاهد في سبيل الله وكان يعيش مع الناس وكان ينظم أمور الناس وكان حركة دائمة، ولذلك كان القرآن يلاحق الأحداث أولاً بأول، أقرأوا القرآن في سورة «آل عمران» وأنظروا كم آية تناقش «وقعة أحد» وفي سورة «الأنفال» هناك مناقشة لنقاط الضعف الموجودة عند المسلمين في «معركة بدر» فنحن في العادة عندما نكون مجموعات فلا يوجد لدينا الاستعداد ليتعرف كل فرد بما عنده من نقاط ضعف، فالعلماء والأحزاب والطوائف غير مستعدين لذلك مع أن الله سبحانه وتعالى حدّثنا عن نقاط الضعف التي انتابت الطليعة الأولى وهي طليعة البدريين {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون، يجادلونك في الحق بعدما تبيّن كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون، وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أنّ غير ذات الشوكة تكون لكم}(الأنفال:5ـ6ـ7). إن الله يحدثنا كيف كان المؤمنون يعيشون الضعف والخوف والهلع كأنهم يساقون إلى الموت وهم ينظرون. ومعنى ذلك أنّ القرآن كان يراقب حركة المسلمين وكان الله يوجههم من خلال الواقع، ففي واقعة «الأحزاب» يقول: {وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنّون بالله الظنونا، هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً}(الأحزاب:110ـ111).
لذلك فنحن لا نستطيع أن نفهم السيرة من مصدر معصوم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إلاّ من القرآن. أما بالنسبة للسيرة فقد يكون هذا الراوي غير موثوق وذاك قد يكذب على رسول الله وهذا يضع الحديث وهذا كذا، فإذا أردنا أن نأخذ صورة النبي(ص) وصورة حركة الإسلام فالمصدر الأساس هو القرآن.
نعم أنا لا أقول أن نرفض التاريخ ولكن علينا أن نأخذ التاريخ بطريقة حذرة فلقد كذب الكذابون كثيراً، ووضع الوضّاعون كثيراً، ولا تستطيع أن تعرف كل شيء على نحو الصحة والدقة، ومن هنا كان الأول يؤكد الثاني. ولعل السائل فهم من كلامي إن كتاب السيرة هو «سيرة بن هشام» لا، أنا قلت سيرة النبي(ص) المستمدة والمستوحاة من القرآن الكريم.