الأسئلة والأجوبة
التاريخ والسيرة / آراء "فضل الله" في أهل البيت

*رغم ما يصدر عنكم من أحاديث ومؤلفات في أهل البيت(ع) نرى أن إشكاليات وأسئلة تثار حول جملة من المسائل، نرجو الإجابة عنها ونعدكم أنه آخر سؤال؟


 ـ أولاً: رأينا أن الأنبياء والأئمة معصومون بكلهم، (عصمة العقل) فلا يفكرون إلا بالحق، و(عصمة القلب) فلا يحبّون ولا يبغضون إلا بالحق، و(عصمة الحركة) فلا يتحركون إلا بما يرضي الله سواءً كان ذلك في شؤون التبليغ أو في الشؤون العامة الصغيرة والكبيرة، فنحن نعتبر أن العصمة تنطلق من معنى النبوّة ومعنى الإمامة لأن النبي ليس ساعي بريد يحمل الرسالة ويجلس في بيته، إنه مبشر ونذير وداعٍ إلى الله وسرا منير يعلمهم الكتاب والحكمة ويسير بهم على الحق ويقضي فيهم بالحق.
النبوّة، أيها الأحبة، هي منصب إلهي غير عادي يريد الله فيه من خلال النبي ورسالته أن يجعل العالم على صورة الحق، لذلك من كانت مهمته أن يركز الحق في العالم فلا يمكن أن يكون في شخصيّته شي‏ء من الباطل، والإمامة هي امتداد للنبوّة ولكن بدون نبوّة.
وثانياً: إن الشفاعة نفي وإثبات وشروط ثابتة بنص القرآن، ولكن الشفاعة في الآخرة ليست كالشفاعة في الدنيا فالناس يشفعون على أساس المصالح، أما هناك فالأنبياء والأئمة(ع) لا ينطلقون من خصوصيات ذاتيه بل من خصوصيات نبوية وإمامية، فبعض الناس قد يتصور أنه إذا نذر للنبي أو للإمام ذبيحة أو شيئاً فإنه سيشفع له على طريقة (أطعم الفم تستحي العين) والقرآن يقول: {ولايشفعون إلا لمن ارتضى}، فلا تنفع الشفاعة إلا بإذنه، وهي من الأنبياء ومن الأئمة وحتى من المؤمنين «فالمؤمن يشفع في مثل ربيعة ومضر»، والشفاعة تنطلق من خلال منهج كما قال الإمام الباقر (سلام الله عليه) كما روي عنه في (الكافي) «من كان ولياً لله فهو لنا ولي ومن كان عدواً لله فهو لنا عدو، والله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه، وكانوا يعرفون بالتواضع والتخشع وصدق الحديث وأداء الأمانة للبرّ والفاجر».
لذلك نحن نؤمن بالشفاعة ولكننا نقول أنها الشفاعة لمن يريد الله أن يغفر لهم فيشفع بشفاعة هؤلاء ويكرّم أنبياءه وأولياءه بأن يكون غفرانه لهم على طريقهم وباسمهم من خلال أنهم أرادوا من الله أن يغفر لهم ويعفو عنهم ويدخلهم الجنة، وعلى ضوء هذا فإنها ليست شفاعة صورية بل هي حقيقية ولكن ضمن المنهج الإلهي.
ثالثاً: (الشعائر الحسينية): البكاء عاطفة إنسانية ونحن نحب الحسين ولا نملك إلاّ أن نبكيه البكاءَ العفويّ الذي ينطلق من عمق المحبة ومن عمق الإحساس بالمأساة، وصدق المشاعر الذي يصور هذه الحالة الحسينية الروحية العفوية (تبكيك عيني لا لأجل مثوبة.. لكنما عيني لأجلك باكية)، نحن لا نملك إلاّ أن نبكيه والذي لا يبكي الحسين هو من القاسية قلوبهم الذين رفضهم الله في كتابه.
والتجديد في الوسائل كالمنبر الحسيني هو مما ركزه أئمة أهل البيت(ع) الذين صنعوا المنبر الحسيني، وشجعوا عليه وأيدوه وكان أول منبر هو منبرهم، وعندما كانوا يجتمعون بشيعتهم فالإمام كان أول قارئ للتعزية، إذا صح التعبير، من باب أنهم هم الذين وجهّوا الناس، ولكن الأئمة لم يريدوا للمنبر أن يكون مجرد إثارة للعاطفة ولكن بطريقة «أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا»، وأمر أهل البيت هو الإسلام وهو ما يرضاه الله ورسوله وهو ما يرتفع بمستوى الناس ليعطيهم العزة والحرية والكرامة والوعي. لذلك فلابد أن يكون المنبر الحسيني واعياً ولابد أن يكون خطيب المنبر الحسيني مثقفاً يعرف الإسلام جيداً ويعرف السيرة الحسينية جيداً ويعرف الواقع الاجتماعي والسياسي من حوله جيداً حتى يعرف كيف يحوّل المنبر إلى إحياء أمرهم في خط الوعي لا إلى إماتة أمرهم في خط الجهل والتخلف.
أما بالنسبة إلى ما يُسمى (الشعائر الحسينية) فإننا نرى أنها تمثل الأساليب التعبيرية عن الحزن وعن الولاء. وأساليب التعبير تختلف بين زمن وزمن، فالبكاء أسلوب إنساني في التعبير عن الحزن، واللطم الهادئ الحزين أسلوب إنساني في التعبير عن الحزن لكن بعض الأمور التي تضر الجسد ليست أسلوباً إنسانياً في التعبير عن الحزن فعندما يُجرح أحد أقاربكم لا تجرحون أنفسكم مواساة له، وعندما يجلد أحد أصدقائكم فإنكم لا تجلدون ظهوركم حزناً عليه لأن جلد الظهر أو جرح الجسد ليس طريقة إنسانية في التعبير عن الحزن أو عن الاحتجاج بل هي عملية تعذيب للنفس قد يرضى بها العدو أكثر مما يحزن عليها لأنك بدلاً من أن توجه سيفك إلى عدوك توجهه إلى نفسك. لقد قلت لا مانع من أن نجرح أجسادنا ورؤوسنا في سبيل الحسين وفي خط الحسين وأن نجلد ظهورنا في سبيل الحسين ولكن هل تعرفون أين؟ هناك في الخط الذي جرح الحسين فيه فلقد جرح(ع) في خط الجهاد، أتعرفون من هم الحسينيون في عاشوراء وفي الأربعين انهم الذين يقاتلون العدو الصهيوني من أبناء المقاومة الإسلامية الذين ينطلقون فيجرحون ويقتلون، هذه هي المواساة للحسين.
والذين يواسون السيدة زينب(ع) وأخواتها عندما جلدن على ظهورهن هم أخواتنا وأخواننا في سجون (إسرائيل) وفي سجون الطاغية، وفي سجون كل الظالمين الذين جلدوهن لأنهم قالوا كلمة الحق ويجلدون لأنهم ساروا في طريق الحق. إنهم جلدوا في الطريق الذي جلدت فيه السيدة زينب، وضربوا في الطريق الذي سارت فيه.
أيها الأحبة، اجرحوا أجسادكم لكن بيدي أعدائكم بعد أن تجرحوهم، اجلدوا ظهوركم بالسياط ولكن بيدي أعدائكم بعد أن تجلدوهم، هذه هي المواساة. أما قصة الشعائر فليس لك أن تصنع أنت شعيرة أو أصنع أنا شعيرة إذ لا بد أن يأتي بها نص من النبي أو من الأئمة(ع) حتى يصح أن تقول أنها من الشعائر فالشعائر أمور توقيفية. ولربما اختلف العلماء بالعنوان الأولي فبعضهم يرى حلية الأضرار بالنفس إذا لم يؤدِّ إلى التهلكة وبعضهم يرى حرمة الأضرار حتى لو لم يؤدّ إلى التهلكة.
وأمّا التسهيل على الناس في الفتاوى فالنبي(ص) يقول (أتيتكم بالشريعة السهلة السمحاء) فالفتاوى السهلة المنطلقة من الأدلة منسجمة مع الطابع العام للشريعة هذا أولاً، وثانياً فإن الله يقول: {وما جعل عليكم في الدين من حرج}(الحج:78)، {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}(البقرة:185)، فأنا لم أفتِ بما أفتيت به للتسهيل على الناس ولكني أفتيت بما أفتيت به كما أفتى العلماء الآخرون بما أفتوا لأن الدليل الاجتهادي الذي هو حجة بيننا وبين الله قام على ذلك.